الاثنين، 23 أبريل 2012

ذو القرنين من تفسير النسفي


تفسير ( مدارك التنزيل وحقائق التأويل )  للامام النسفي ، المتوفي سنة  710 هجرية 





 (  وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً )


( وَيَسْـئَلُونَكَ } أي اليهود على جهة الإمتحان، أو أبو جهل وأشياعه { عَن ذِى ٱلْقَرْنَيْنِ } هو الإسكندر الذي ملك الدنيا. قيل: ملكها مؤمنان: ذو القرنين وسليمان، وكافران: نمرود وبختنصر وكان بعد نمرود. وقيل: كان عبداً صالحاً ملّكه الله الأرض وأعطاه العلم والحكمة وسخر له النور والظلمة، فإذا سرى يهديه النور من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه. وقيل: نبياً. وقيل: ملكاً من الملائكة. وعن عليّ رضي الله عنه أنه قال: ليس بملك ولا نبي ولكن كان عبداً صالحاً ضرب على قرنه الأيمن في طاعة الله فمات ثم بعثه الله، فضرب على قرنه الأيسر فمات فبعثه الله فسمي ذا القرنين وفيكم مثله أراد نفسه. قيل: كان يدعوهم إلى التوحيد فيقتلونه فيحييه الله تعالى. وقال عليه السلام: " سمي ذا القرنين لأنه طاف قرني الدنيا يعني جانبيها شرقها وغربها. وقيل: كان له قرنان أي ضفيرتان، أو انقرض في وقته قرنان من الناس، أو لأنه ملك الروم وفارس أو الترك والروم، أو كان لتاجه قرنان أو على رأسه ما يشبه القرنين، أو كان كريم الطرفين أبا وأما وكان من الروم { قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مّنْهُ } من ذي القرنين { ذِكْراً }.

{ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى ٱلأَرْضِ } جعلنا له فيها مكانة واعتلاء { وَءَاتَيِنَاه مِن كُلّ شَىْء } أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه { سَبَباً } طريقاً موصلاً إليه { فَأَتْبَعَ سَبَباً } والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة فأراد بلوغ المغرب فأتبع سبباً. يوصله إليه حتى بلغ، وكذلك أراد المشرق فأتبع سبباً، وأراد بلوغ السدين فأتبع سبباً. { فأتبع سبباً } { ثم أتبع } كوفي وشامي الباقون: بوصل الألف وتشديد التاء. عن الأصمعي: أتبع لحق واتبع اقتفى وإن لم يلحق { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ } أي منتهى العمارة نحو المغرب وكذا المطلع قال صلى الله عليه وسلم:" بدء أمره أنه وجد في الكتب أن أحد أولاد سام يشرب من عين الحياة فيخلد فجعل يسير في طلبها والخضر وزيره وابن خالته فظفر فشرب ولم يظفر ذو القرنين { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ } ذات حمأة من حمئت البئر إذا صارت فيها الحمأة. { حامية } شامي وكوفي غير حفص بمعنى حارة. عن أبي ذر: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال: " أتدري يا أبا ذر أين تغرب هذه؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال: " فإنها تغرب في عين حامية. " وكان ابن عباس رضي الله عنهما عند معاوية فقرأ معاوية { حامية } فقال: ابن عباس: حمئة فقال معاوية لعبد الله بن عمرو: كيف تقرؤها؟ فقال: كما يقرأ أمير المؤمنين. ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب؟ قال: في ماء وطين كذلك نجده في التوراة فوافق قول ابن عباس رضي الله عنهما، ولا تنافي فجاز أن تكون العين جامعة للوصفين جميعاً { وَوَجَدَ عِندَهَا } عند تلك العين { قَوْماً } عراة من الثياب لباسهم جلود الصيد وطعامهم ما لفظ البحر وكانوا كفاراً { قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } إن كان نبياً فقد أوحى الله إليه بهذا وإلا فقد أوحي إلى نبي فأمره النبي به، أو كان إلهاماً خير بين أن يعذبهم بالقتل إن أصروا على أمرهم وبين أن يتخذ فيهم حسناً بإكرامهم وتعليم الشرائع إن آمنوا، أو التعذيب القتل وإتخاذ الحسن الأسر لأنه بالنظر إلى القتل إحسان.

 إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } * { فَأَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً

 إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى ٱلأَرْضِ } جعلنا له فيها مكانة واعتلاء { وَءَاتَيِنَاه مِن كُلّ شَىْء } أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه { سَبَباً } طريقاً موصلاً إليه { فَأَتْبَعَ سَبَباً } والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة فأراد بلوغ المغرب فأتبع سبباً. يوصله إليه حتى بلغ، وكذلك أراد المشرق فأتبع سبباً، وأراد بلوغ السدين فأتبع سبباً. { فأتبع سبباً } { ثم أتبع } كوفي وشامي الباقون: بوصل الألف وتشديد التاء. عن الأصمعي: أتبع لحق واتبع اقتفى وإن لم يلحق { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ } أي منتهى العمارة نحو المغرب وكذا المطلع قال صلى الله عليه وسلم: " بدء أمره أنه وجد في الكتب أن أحد أولاد سام يشرب من عين الحياة فيخلد فجعل يسير في طلبها والخضر وزيره وابن خالته فظفر فشرب ولم يظفر ذو القرنين " { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ } ذات حمأة من حمئت البئر إذا صارت فيها الحمأة. { حامية } شامي وكوفي غير حفص بمعنى حارة. عن أبي ذر: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال: " أتدري يا أبا ذر أين تغرب هذه؟ " قلت الله ورسوله أعلم. قال: " فإنها تغرب في عين حامية. " وكان ابن عباس رضي الله عنهما عند معاوية فقرأ معاوية { حامية } فقال: ابن عباس: حمئة فقال معاوية لعبد الله بن عمرو: كيف تقرؤها؟ فقال: كما يقرأ أمير المؤمنين. ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب؟ قال: في ماء وطين كذلك نجده في التوراة فوافق قول ابن عباس رضي الله عنهما، ولا تنافي فجاز أن تكون العين جامعة للوصفين جميعاً { وَوَجَدَ عِندَهَا } عند تلك العين { قَوْماً } عراة من الثياب لباسهم جلود الصيد وطعامهم ما لفظ البحر وكانوا كفاراً { قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } إن كان نبياً فقد أوحى الله إليه بهذا وإلا فقد أوحي إلى نبي فأمره النبي به، أو كان إلهاماً خير بين أن يعذبهم بالقتل إن أصروا على أمرهم وبين أن يتخذ فيهم حسناً بإكرامهم وتعليم الشرائع إن آمنوا، أو التعذيب القتل وإتخاذ الحسن الأسر لأنه بالنظر إلى القتل إحسان.


{ قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } * { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً }

{ قَالَ } ذو القرنين { أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ } بالقتل { ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبّهِ فَيُعَذّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } في القيامة يعني أما من دعوته إلى الإسلام فأبى إلا البقاء على الظلم العظيم وهو الشرك فذاك هو المعذب في الدارين.

{ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً } أي عمل ما يقتضيه الإيمان { فَلَهُ جَزَاء ٱلْحُسْنَىٰ } فله جزاء الفعلة الحسنى التي هي كلمة الشهادة. { جزاءً الحسنى } كوفي غير أبي بكر أي فله الفعلة الحسنى جزاء { وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } أي ذا يسر أي لا نأمره بالصعب الشاق ولكن بالسهل المتيسر من الزكاة والخراج وغير ذلك { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ } هم الزنج { لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مّن دُونِهَا } من دون الشمس { سِتْراً } أي أبنية عن كعب أرضهم لا تمسك الأبنية وبها أسراب فإذا طلعت الشمس دخلوها فإذا ارتفع النهار خرجوا إلى معايشهم، أو الستر اللباس. عن مجاهد: من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض.



{ كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } * { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً }

{ كَذٰلِكَ } أي أمر ذي القرنين كذلك أي كما وصفناه تعظيماً لأمره { وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ } من الجنود والآلات وأسباب الملك { خُبْراً } نصب على المصدر لأن في { أحطنا } معنى خبرنا، أو بلغ مطلع الشمس مثل ذلك أي كما بلغ مغربها، أو تطلع على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم يعني أنهم كفرة مثلهم وحكمهم مثل حكمهم في تعذيبه لمن بقي منهم على الكفر وإحسانه إلى من آمن منهم { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } بين الجبلين وهما جبلان سد ذو القرنين ما بينهما. { السَّدين } و { سًداً } مكي وأبو عمرو وحفص { السُّدين } و { سدا } حمزة وعلي، وبضمهما: غيرهم. قيل: ما كان مسدوداً خلقة فهو مضموم، وما كان من عمل العباد فهو مفتوح. وانتصب { بين } على أنه مفعول به لـ { بلغ } كما انجر بالإضافة في { هذا فراق بيني وبينك } وكما ارتفع في
{ لقد تقطع بينكم }
[الأنعام: 94] لأنه من الظروف التي تستعمل أسماء وظروفاً وهذا المكان في منقطع أرض الترك مما يلي المشرق { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا } من ورائهما { قَوْماً } هم الترك { لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } أي لا يكادون يفهمونه إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها. { يُفقهون } حمزة وعلي أن لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لأن لغتهم غريبة مجهولة.

{ قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ } هما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف، وهمزهما عاصم فقط. وهما من ولد يافث أو يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل والديلم { مُفْسِدُونَ فِى ٱلأَرْضِ } قيل كانوا يأكلون الناس. وقيل: كانوا يخرجوا أيام الربيع فلا يتركون شيئاً أخضر إلا أكلوه، ولا يابساً إلا احتملوه، ولا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح. وقيل: هم على صنفين طوال مفرطو الطول وقصار مفرطو القصر { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } { خراجا } حمزة وعلي أي جعلاً نخرجه من أموالنا ونظيرهما النول والنوال { عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا }.

 قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } * { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً }

{ قال ما مكَّني } بالإدغام وبفكه مكي { فِيهِ رَبّى خَيْرٌ } أي ما جعلني فيه مكيناً من كثرة المال واليسار خير مما تبذلون لي من الخرج فلا حاجة لي إليه { فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ } بفعلة وصناع يحسنون البناء والعمل وبالآلات { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا } جداراً وحاجزاً حصيناً موثقاً والردم أكبر من السد { ءَاتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ } قطع الحديد والزبرة القطعة الكبيرة. قيل: حفر الأساس حتى بلغ الماء وجعل الأساس من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينها الحطب والفحم حتى سد ما بين الجبلين إلى أعلاهما، ثم وضع المنافيخ حتى إذا صارت كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمى، فاختلط والتصق بعضه وصار جلداً وصلدا، وقيل: بعدما بين السدين فإنه فرسخ { حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ } بفتحتين جانبي الجبلين لأنها يتصادفان أي يتقابلان. { الصُّدَفين } مكى وبصرى وشامي. { الصُّدْفين } أبو بكر { قَالَ ٱنفُخُواْ } أي قال ذو القرنين للعملة: انفخوا في الحديد { حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ } أي المنفوخ فيه وهو الحديد { نَارًا } كالنار { قَالَ آتُونِى } أعطوني { أَفْرِغْ } أصب { عَلَيْهِ قِطْراً } نحاساً مذاباً لأنه يقطر وهو منصوب بـ { أفرغ } وتقديره آتوني قطراً أفرغ عليه قطراً فحذف الأول لدلالة الثاني عليه { قال ائتوني } بوصل الألف: حمزة وإذا ابتدأ كسر الألف أي جيئوني.

{ فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } * { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } * { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } * { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً }

{ فَمَا ٱسْطَـٰعُواْ } بحذف التاء للخفة لأن التاء قريبة المخرج من الطاء { أَن يَظْهَرُوهُ } أن يعلوا السد { وَمَا ٱسْتَطَـٰعُواْ لَهُ نَقْبًا } أي لا حيلة لهم فيه من صعود لارتفاعه ولا نقب لصلابته { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مّن رَّبّى } أي هذا السد نعمة من الله ورحمة على عباده، أو هذا الإقدار والتمكين من تسويته { فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبّى } فإذا دنا مجيء يوم القيامة وشارف أن يأتي { جَعَلَهُ } أي السد { دَكَّاء } أي مدكوكا مبسوطاً مسوى بالأرض وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقد اندك. { دكاء } كوفي أي أرضاً مستوية { وَكَانَ وَعْدُ رَبّى حَقّاً } آخر قول ذي القرنين { وَتَرَكْنَا } وجعلنا { بَعْضُهُمْ } بعض الخلق { يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ } يختلط { فِى بَعْضِ } أي يطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى، ويجوز أن يكون الضمير ليأجوج ومأجوج وأنهم يموجون حين يخرجون مما وراء السد مزدحمين في البلاد. ورُوي أنهم يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه، ثم يأكلون الشجر ومن ظفروا به من الناس ولا يقدرون أن يأتوا مكة والمدينة بيت المقدس، ثم يبعث الله نغفا في أقفائهم فيدخل في آذانهم فيموتون { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ } لقيام الساعة { فَجَمَعْنَـٰهُمْ } أي جمع الخلائق للثواب والعقاب { جَمْعاً } تأكيد { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لّلْكَـٰفِرِينَ عَرْضاً } وأظهرناها لهم فرأوها وشاهدوها { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِى غِطَاء عَن ذِكْرِي } عن آياتي التي ينظر إليها أو عن القرآن فأذكره بالتعظيم أو عن القرآن وتأمل معانيه { وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } أي وكانوا صما عنه إلا أنه أبلغ إذ الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء كأنهم أصميت أسماعهم فلا استطاعة بهم للسمع.

ذو القرنين من تفسير ابن عبد السلام



تفسير القرأن ، لأبن عبد السلام ، متوفي سنة 660



 وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً 

{ ذِى الْقَرْنَيْنِ } نبي مبعوث فتح الله ـ تعالى ـ على يده الأرض، أو عبد صالح ناصح لله، فضربوه على قرنه فمكث ما شاء الله ثم دعاهم إلى الهدى فضربوه على قرنه الآخر، لم يكن له قرنان كقرني الثور، وسمي ذا القرنين للضربتين، أو لضفيرتين كانتا له، أو لاستيلائه على قرني الأرض المشرق والمغرب، أو رأى في نومه أنه أخذ بقرني الشمس في شرقها وغربها فقصها على قومه فسمي ذا القرنين. وهو عبد الله بن الضحاك بن معد " ع " ، أو من أهل مصر اسمه مرزبان يوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح، أو رومي اسمه الاسكندروني أو هو الإسكندر الذي بنى الإسكندرية.

 إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً

{ مِن كُلِّ شَىْءٍ سَبَباً } علماً يتسبب به إلى إرادته، أو ما يستعين به على لقاء الملوك وقتل الأعداء وفتح البلاد.

{ فَأَتْبَعَ سَبَباً }

{ فَأَتْبَعَ سَبَباً } منازل الأرض ومعالمها، أو طرقاً بين المشرق والمغرب، أو قفا الأثر، أو طريقاً إلى ما أريد منه.

{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً }

{ حَمِئَةٍ } ذات حمأة، أو طينة سوداء { حامية } حارة فكانت حارة ذات حمأة، وجدها تغرب في نفس العين، أو وراءها كأنها تغرب فيها { إمَّآ أَن تُعَذِّبَ } خُيِّر بين عقابهم والعفو عنهم، أو تعذبهم بالقتل لشركهم، أو تتخذ فيهم حسناً بإمساكهم بعد الأسر لتعلمهم الهدى وتنقذهم من العمى، قيل لم يُسلم منهم إلا رجل واحد.

{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً }

{ أتَّبِعُ } و { اتَّبع } واحد، أو بالقطع إذا لحق وبالوصل إذا كان على الأثر وإن لم يلحق.

{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً }

{ مَطْلِعَ } ومَطْلَع واحد، أو بالفتح الطلوع وبالكسر موضع الطلوع يريد بالمطلع والمغرب ابتداء العمارة وانتهائها { سِتْراً } من بناء، أو شجر، أو لباس، يأوون إذا طلعت إلى أسراب لهم فإذا زالت خرجوا لصيد ما يقتاتونه من وحش وسمك قيل: وهم الزنج، أو تاريش، وتاويل ومنسك.

{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً }

{ السَّدَّيْنِ } و { السُّدين } واحد، أو بالضم من فعل الله ـ تعالى ـ وبالفتح فعل الآدمي، " أو بالضم إذا كان مستوراً عن بصرك وبالفتح إذا شاهدته ببصرك " ، أو بالضم الاسم وبالفتح المصدر. قال ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ وهما جبلان، قيل جعل الردم بينهما، وهما بأرمينية وأذربيجان، أو في منقطع أثر الترك مما يلي المشرق.

 قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً }

{ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ } من تأجج النار واختلفوا في تكليفهم، وهما من ولد يافث بن نوح، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا يموت الرجل [منهم] حتى يولد لصلبه ألف رجل " { خَرْجاً } إجرة و { خراجاً } الغلة، أو الخراج ما خرج من الأرض، والخرج مصدر ما يخرج من المال، أو الخراج ما يؤخذ عن الأرض والخرج ما يؤخذ عن الرقاب، أو الخرج ما أخذ دفعة والخراج ما كان ثابتاً يؤخذ كل سنة.

{ قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً }

{ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ } من تأجج النار واختلفوا في تكليفهم، وهما من ولد يافث بن نوح، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا يموت الرجل [منهم] حتى يولد لصلبه ألف رجل " { خَرْجاً } إجرة و { خراجاً } الغلة، أو الخراج ما خرج من الأرض، والخرج مصدر ما يخرج من المال، أو الخراج ما يؤخذ عن الأرض والخرج ما يؤخذ عن الرقاب، أو الخرج ما أخذ دفعة والخراج ما كان ثابتاً يؤخذ كل سنة.

{ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً }

{ بِقُوَّةٍ } بآلة، أو برجال { رَدْماً } حجاباً شديداً، أو سداً متراكباً بعضه على بعض.


{ آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً }

{ زُبَرَ الْحَدِيدِ } قطعه، أو فلقه، أو الحديد المجتمع ومنه الزبور لاجتماع حروفه { الصَّدَفَيْنِ } جبلان " ع " ، أو رأسا جبلين، أو ما بين الجبلين إذا كانا متحاذيين من المصادفة في اللقاء، أو إذا انحرف كل واحد منهما عن الآخر كأنه صدف عنه فساوى بينهما بما جعله بينهما حتى وارى رؤوسهما وسوى بينهما { انفُخُواْ } في نار الحديد حتى إذا جعل الحديد ناراً أي كالنار في الحمى واللهب { قِطْراً } نحاساً، أو رصاصاً أو حديداً مذاباً، فكانت حجارته الحديد وطينه النحاس.

 فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً }

{ يَظْهَرُوهُ } يعلوه { نَقْباً } من أسفله، وهو وراء بحر الروم بين جبلين هناك مؤخرهما البحر المحيط، ارتفاعه مائتا ذراع، عرضه نحو خمسين ذراعاً، وهو حديد شبه المصمت، وذكر رجل للرسول صلى الله عليه وسلم أنه رآه فقال: انعته لي، فقال: هو كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال: قد رأيته.

{ قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً }

{ وَعْدُ رَبِّى } القيامة، أو وقت خروجهم بعد قتل الدجال { دَكَّآءَ } أرضاً، أو قطعاً، أو انهدم حتى اندك بالأرض فاستوى معها.

 وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً }

{ بَعْضَهُمْ } القوم الذين ذكرهم ذو القرنين يوم فتح السد، أو الكفار يوم القيامة، أو الجن والإنس عند فتح السد { يَمُوجُ } يختلط، أو يدفع بعضهم بعضاً من موج البحر.

ذو القرنين من تفسير ابن الجوزي


{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)

قوله تعالى: { ويسألونك عن ذي القرنين } قد ذكرنا سبب نزولها عند قوله تعالى:
( ويسألونك عن الروح } [الإسراء: 85].

واختلفوا في اسم ذي القرنين على أربعة أقوال.

أحدها: عبد الله، قاله علي عليه السلام، وروي عن ابن عباس أنه عبد الله بن الضحاك.

والثاني: الاسكندر، قاله وهب.

والثالث: عيِّاش، قاله محمد بن علي بن الحسين.

والرابع: الصعب بن جابر بن القلمس، ذكره ابن أبي خيثمة.

وفي علَّة تسميته بذي القرنين عشرة أقوال.

أحدها: أنه دعا قومه إِلى الله تعالى، فضربوه على قرنه فهلك، فغبر زماناً، ثم بعثه الله، فدعاهم إِلى الله فضربوه على قرنه الآخر فهلك، فذانك قرناه، قاله علي عليه السلام.

والثاني: أنه سمي بذي القرنين، لأنه سار إِلى مغرب الشمس وإِلى مطلعها، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثالث: لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس.

والرابع: لأنه رأى في المنام كأنه امتد من السماء إِلى الأرض وأخذ بقرني الشمس، فقصَّ ذلك على قومه، فسمِّي بذي القرنين.

والخامس: لأنه مَلَك الروم وفارس.

والسادس: لأنه كان في رأسه شبه القرنين، رويت هذه الأقوال الأربعة عن وهب بن منبِّه.

والسابع: لأنه كانت له غديرتان من شعر، قاله الحسن. قال ابن الأنباري: والعرب تسمي الضفيرتين من الشعر غديرتين، وجميرتين، وقرنين؛ قال: ومن قال: سمي بذلك لأنه ملك فارس والروم، قال: لأنهما عاليان على جانبين من الأرض يقال لهما: قرنان.

والثامن: لأنه كان كريم الطرفين من أهل بيت ذوي شرف.

والتاسع: لأنه انقرض في زمانه قرنان من الناس، وهو حيّ.

والعاشر: لأنه سلك الظلمة والنور، ذكر هذه الأقوال الثلاثة أبو إِسحاق الثعلبي.

واختلفوا هل كان نبيّاً، أم لا؟ على قولين.

أحدهما: أنه كان نبيّاً، قاله عبد الله بن عمرو، والضحاك بن مزاحم.

والثاني: أنه كان عبداً صالحاً، ولم يكن نبيّاً، ولا مَلكاً، قاله علي عليه السلام. وقال وهب: كان ملكاً، ولم يوح إِليه.

وفي زمان كونه ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه من القرون الأُوَل من ولد يافث بن نوح، قاله علي عليه السلام.

والثاني: أنه كان بعد ثمود، قاله الحسن. ويقال: كان عمره ألفاً وستمائة سنة.

والثالث: [أنه] كان في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، قاله وهب.

قوله تعالى: { سأتلوا عليكم منه ذِكْراً } أي: خبراً يتضمن ذِكْره. { إِنا مكَّنَّا له في الأرض } أي: سهَّلْنا عليه السَّير فيها. قال علي عليه السلام: إِنه أطاع الله، فسخَّر له السحاب فحمله عليه، ومَدَّ له في الأسباب، وبسط له النُّور، فكان الليل والنهار عليه سواء. وقال مجاهد: مَلَك الأرضَ أربعةٌ: مؤمنان، وكافران؛ فالمؤمنان: سليمان بن دواد، وذو القرنين؛ والكافران: النمرود، وبختنصر.

قوله تعالى: { وآتيناه من كل شيء سبباً } قال ابن عباس: عِلْماً يتسبب به إِلى ما يريد. وقيل: هو العِلْم بالطُّرق والمسالك.

قوله تعالى: { فأتبع سبباً } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: «فاتَّبع سبباً» «ثم اتَّبع سبباً» «ثم اتَّبع سبباً» مشددات التاء. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «فأتبع سبباً» «ثم أتبع سبباً» «ثم أتبع سبباً» مقطوعات. قال ابن الأنباري: من قرأ «فاتَّبع سبباً» فمعناه: قفا الأثر، ومن قرأ «فأتبع» فمعناه: لحق؛ يقال: اتَّبَعَني فلان، أي: تَبِعَني، كما يقال: أَلْحَقَني فلان، بمعنى لَحِقَني. وقال أبو علي: «أتبع» تقديره: أتبع سبباً سبباً، فأتبع ما هو عليه سبباً، والسبب: الطريق، والمعنى: تبع طريقاً يؤدِّيه إِلى مَغْرِب الشمس. وكان إِذا ظهر على قوم أخذ منهم جيشاً فسار بهم إِلى غيرهم.

قوله تعالى: { وجدها تغرب في عين حمئة } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن وعاصم: «حمئة»، وهي قراءة [ابن عباس. وقرأ] ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: «حامية»، وهي قراءة عمرو، وعلي، وابن مسعود، والزبير، ومعاوية، وأبي عبد الرحمن، والحسن، وعكرمة، والنخعي، وقتادة، وأبي جعفر، وشيبة، وابن محيصن، والأعمش، كلُّهم لم يهمز. قال الزجاج: فمن قرأ: «حمئة» أراد في عَيْنٍ ذاتِ حَمْأَة. يقال: حَمَأْتُ البئر: إِذا أخرجتَ حَمْأتَها؛ وأَحْمَأْتُها: إِذا ألقيتَ فيها الحَمْأَة. [وحمئت] فهي حمئة: إِذا صارت فيها الحَمْأَة. ومن قرأ: «حامية» بغير همز، أراد: حارّة. وقد تكون حارَّة ذاتَ حَمْأَة. وروى قتادة عن الحسن، قال: وجدها تَغْرُب في ماءٍ يغلي كغليان القدور { ووجد عندها قَوْماً } لباسهم جلود السِّباع، وليس لهم طعام إِلا ما أحرقت الشمس من الدوابّ إِذا غربت نحوها، وما لفظت العين من الحيتان إِذا وقعت فيها الشمس. وقال ابن السائب: وجد عندها قوماً مؤمنين وكافرين، يعني عند العين. وربما توهَّم متوهِّم أن هذه الشمس على عِظَم قدْرها تغوص بذاتها في عين ماءٍ، وليس كذلك. فإنها أكبر من الدنيا مراراً، فكيف تَسَعُها عين [ماء؟!. وقيل: إِن الشمس بقدر الدنيا مائة وخمسين مَرَّة، وقيل: بقدر الدنيا مائة وعشرين مَرَّة، والقمر بقدر الدنيا ثمانين مرة]. وإِنما وجدها تغرب في العين كما يرى راكب البحر الذي لا يرى طَرَفه أن الشمس تغيب في الماء، وذلك لأن ذا القرنين انتهى إلى آخر البنيان فوجد عيناً حَمِئة ليس بعدها أحد.

قوله تعالى: { قلنا يا ذا القرنين } فمن قال: إِنه نبيّ، قال: هذا القول وحي؛ ومن قال: ليس بنبي، قال: هذا إِلهام.

قوله تعالى: { إِما أن تُعَذِّب } قال المفسرون: إِما أن تقتلَهم إِن أبَوْا ما تدعوهم إِليه، وإِما أن تأسرهم، فتبصِّرهم الرشد. { قال أمّا مَنْ ظَلَم } أي: أشرك { فسوف نُعَذِّبُه } بالقتل إِذا لم يرجع عن الشرك. وقال الحسن: كان يطبخهم في القدور { ثم يُرَدُّ إِلى ربِّه } بعد العذاب { فيعذبه عذاباً نُكْراً } بالنار.


قوله تعالى: { فله جزاءً الحسنى } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: «جزاءُ الحسنى» برفع مضاف. قال الفراء: «الحسنى»: الجنة، وأضيف الجزاءُ إِليها، وهي الجزاء، كقوله:
 إِنه لَحَقُّ اليقين  ( الحاقة: 51 ) و دينُ القيِّمة  البيِّنة: 5 وولدار الآخرة  النحل: 30]. قال أبو علي الفارسي: المعنى: فله جزاء الخلال الحسنى، لأن الإِيمان والعمل الصالح خِلال. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف، ويعقوب: «جزاءً» بالنصب والتنوين؛ قال الزجاج: وهو مصدر منصوب على الحال، المعنى: فله الحسنى مَجْزِيّاً بها جزاءًَ. وقال ابن الأنباري: وقد يكون الجزاء غير الحسنى إِذا تأوَّل الجزاء بأنه الثواب؛ والحسنى: الحسنة المكتسبة في الدنيا، فيكون المعنى: فله ثواب ما قدَّم من الحسنات.

قوله تعالى: { وسنقول له من أمرنا يُسْراً } أي: نقول له قولاً جميلاً.



 ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } * { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً }

قوله تعالى: { ثم أَتْبَعَ سبباً } أي: طريقاً آخر يوصله إِلى المَشْرِق. قال قتادة: مضى يفتح المدائن ويجمع الكنوز ويقتل الرجال إِلا من آمن حتى أتى مطلع الشمس فأصاب قوماً في أسرابٍ عراةً، ليس لهم طعام إِلا ما أحرقت الشمس إِذا طلعت، فإذا توسطت السماء خرجوا من أسرابهم في طلب معايشهم مما أحرقته الشمس. وبلغَنا أنهم كانوا في مكان لا يثبت عليه بنيان، فيقال: إِنهم الزنج. قال الحسن: كانوا إِذا غربت الشمس خرجوا يتراعَون كما يتراعى الوحش. وقرأ الحسن، ومجاهد، وأبو مجلز، وأبو رجاء، وابن محيصن: «مَطْلَع الشمس» بفتح اللام. قال ابن الأنباري: ولا خلاف بين أهل العربية في أن المَطْلِع، والمَطْلَع كلاهما يعنى بهما المكانُ الذي تطلع منه الشمس. ويقولون: ما كان على فَعَل يَفْعُل، فالمصدر واسم الموضع يأتيان على المَفْعَل، كقولهم: المَدْخَل، للدخول، والموضِع الذي يُدخَل منه، إِلا أحد عشر حرفاً جاءت مكسورة إِذا أريد بها المواضع، وهي: المَطْلِع، والمَسْكِن، والمَنْسِك، والمَشْرِق، والمَغرِب، والمَسْجِد، والمَنْبِت، والمَجْزِر، والمَفْرِق، والمَسْقِط، والمَهْبِل، الموضع الذي تضع فيه الناقة؛ وخمسة من هؤلاء الأحد عشر حرفاً سُمع فيهن الكسر والفتح: المَطْلِع، والمَطْلَع. والمَنْسِك، والمَنْسَك. والمَجْزِر، والمَجْزَر. والمَسْكِن، والمَسْكَن. والمَنْبِت، والمَنْبَت. فقرأ الحسن على الأصل من احتمال المَفْعل الوجهين الموصوفين [بفتح العين وكسرها]، وقراءة العامة على اختيار العرب وما كثر على ألسنتها، وخصت المَوْضِع بالكسر، وآثرت المصدر بالفتح. قال أبو عمرو: المطلِع، بالكسر: الموضع الذي تطلع فيه؛ والمطلَع، بالفتح: الطُّلوع؛ قال ابن الأنباري: هذا هو الأصل، ثم إِن العرب تتسع فتجعل الاسم نائباً عن المصدر، فيقرؤون: { حتى مَطْلِع الفجر } [القدر: 5] بالكسر وهم يعنون الطُّلوع؛ ويقرأ من قرأ { مَطْلَع الشمس } بالفتح على أنه موضع بمنزلة المدخل الذي هو اسم للموضع الذي يدخل منه.

قوله تعالى: { كذلك } فيه أربعة أقوال.

أحدها: كما بلغ مَغْرِب الشمس بلغ مطلعها.

والثاني: أتبع سبباً كما أتبع سبباً.

والثالث: كما وجد أولئك عند مَغْرِب الشمس وحكم فيهم، كذلك وجد هؤلاء عند مطلعها وحكم فيهم.

والرابع: أن المعنى: كذلك أمْرُهم كما قصصنا عليك؛ ثم استأنف فقال: { وقد أحطنا بما لديه } أي: بما عنده ومعه من الجيوش والعدد. وحكى أبو سليمان الدمشقي: «بما لديه» أي: بما عند مطلع الشمس. وقد سبق معنى الخُبْر [الكهف: 68].

قوله تعالى: { ثم أَتْبَعَ سبباً } أي: طريقاً آخر يوصله إِلى المَشْرِق. قال قتادة: مضى يفتح المدائن ويجمع الكنوز ويقتل الرجال إِلا من آمن حتى أتى مطلع الشمس فأصاب قوماً في أسرابٍ عراةً، ليس لهم طعام إِلا ما أحرقت الشمس إِذا طلعت، فإذا توسطت السماء خرجوا من أسرابهم في طلب معايشهم مما أحرقته الشمس. وبلغَنا أنهم كانوا في مكان لا يثبت عليه بنيان، فيقال: إِنهم الزنج. قال الحسن: كانوا إِذا غربت الشمس خرجوا يتراعَون كما يتراعى الوحش. وقرأ الحسن، ومجاهد، وأبو مجلز، وأبو رجاء، وابن محيصن: «مَطْلَع الشمس» بفتح اللام. قال ابن الأنباري: ولا خلاف بين أهل العربية في أن المَطْلِع، والمَطْلَع كلاهما يعنى بهما المكانُ الذي تطلع منه الشمس. ويقولون: ما كان على فَعَل يَفْعُل، فالمصدر واسم الموضع يأتيان على المَفْعَل، كقولهم: المَدْخَل، للدخول، والموضِع الذي يُدخَل منه، إِلا أحد عشر حرفاً جاءت مكسورة إِذا أريد بها المواضع، وهي: المَطْلِع، والمَسْكِن، والمَنْسِك، والمَشْرِق، والمَغرِب، والمَسْجِد، والمَنْبِت، والمَجْزِر، والمَفْرِق، والمَسْقِط، والمَهْبِل، الموضع الذي تضع فيه الناقة؛ وخمسة من هؤلاء الأحد عشر حرفاً سُمع فيهن الكسر والفتح: المَطْلِع، والمَطْلَع. والمَنْسِك، والمَنْسَك. والمَجْزِر، والمَجْزَر. والمَسْكِن، والمَسْكَن. والمَنْبِت، والمَنْبَت. فقرأ الحسن على الأصل من احتمال المَفْعل الوجهين الموصوفين [بفتح العين وكسرها]، وقراءة العامة على اختيار العرب وما كثر على ألسنتها، وخصت المَوْضِع بالكسر، وآثرت المصدر بالفتح. قال أبو عمرو: المطلِع، بالكسر: الموضع الذي تطلع فيه؛ والمطلَع، بالفتح: الطُّلوع؛ قال ابن الأنباري: هذا هو الأصل، ثم إِن العرب تتسع فتجعل الاسم نائباً عن المصدر، فيقرؤون: { حتى مَطْلِع الفجر } [القدر: 5] بالكسر وهم يعنون الطُّلوع؛ ويقرأ من قرأ { مَطْلَع الشمس } بالفتح على أنه موضع بمنزلة المدخل الذي هو اسم للموضع الذي يدخل منه.

قوله تعالى: { كذلك } فيه أربعة أقوال.

أحدها: كما بلغ مَغْرِب الشمس بلغ مطلعها.

والثاني: أتبع سبباً كما أتبع سبباً.

والثالث: كما وجد أولئك عند مَغْرِب الشمس وحكم فيهم، كذلك وجد هؤلاء عند مطلعها وحكم فيهم.

والرابع: أن المعنى: كذلك أمْرُهم كما قصصنا عليك؛ ثم استأنف فقال: { وقد أحطنا بما لديه } أي: بما عنده ومعه من الجيوش والعدد. وحكى أبو سليمان الدمشقي: «بما لديه» أي: بما عند مطلع الشمس. وقد سبق معنى الخُبْر [الكهف: 68].


 ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } * { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } * { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } * { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً }

قوله تعالى: { ثم أتبع سبباً } أي: طريقاً ثالثاً بين المَشْرِق والمَغْرِب { حتى إِذا بلغ بين السدين } قال وهب بن منبه: هما جبلان منيفان في السماء، من ورائهما البحر، ومن أمامهما البلدان، وهما بمنقطَع أرض التُّرك مما يلي بلاد أرمينية. وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس قال: الجبلان من قِبَل أرمينية وأذربيجان. واختلف القراء في «السدّين» فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم بفتح السين. وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي بضمها.

وهل المعنى واحد، أم لا؟ فيه قولان.

أحدها: أنه واحد. قال ابن الأعرابي: كل ما قابلك فسَدَّ ما وراءه، فهو سَدٌّ، وسُدٌّ، نحو: الضَّعف والضُّعف، والفَقر والفُقر. قال الكسائي، وثعلب: السَّد والسُّد لغتان بمعنى واحد، وهذا مذهب الزجاج.

والثاني: أنهما يختلفان.

وفي الفرق بينهما قولان.

أحدهما: أن ما هو من فعل الله تعالى فهو مضموم، وما هو من فعل الآدميين فهو مفتوح، قاله ابن عباس، وعكرمة، وأبو عبيدة. قال الفراء: وعلى هذا رأيت المشيخة وأهل العلم من النحويين.

والثاني: أن السَّد، بفتح السين: الحاجز بين الشيئين، والسُدُّ، بضمها: الغشاوة في العَيْن، قاله أبو عمرو بن العلاء.

قوله تعالى: { وَجَد من دونهما } يعني: أمام السدين { قوماً لا يكادون يفقهون قولاً } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: «يَفْقَهُون قولاً» بفتح الياء، أي: لا يكادون يفهمونه. قال ابن الأنباري: قال اللغويون: معناه أنهم يفهمون بعد إِبطاءٍ، وهو كقوله:
{ وما كادوا يفعلون }
البقرة: 71
قال المفسرون: وإِنما كانوا كذلك لأنهم لا يعرفون غير لغتهم. وقرأ حمزة، والكسائي: «يُفْقِهُون» بضم الياء، أراد: يُفْهِمُون غيرهم. وقيل: كلَّم ذا القرنين عنهم مترجِمون ترجموا.

قوله تعالى: { إِن يأجوج ومأجوج } هما: اسمان أعجميان، وقد همزهما عاصم. قال الليث: الهمز لغة رديئة. قال ابن عباس: يأجوج رجل، ومأجوج رجل، وهما ابنا يافث بن نوح عليه السلام، فيأجوج ومأجوج عشرة أجزاء، وولد آدم كلُّهم جزء، وهم شِبْر وشِبْران وثلاثة أشبار. وقال عليّ عليه السلام: منهم مَنْ طوله شِبْر، ومنهم من هو مُفْرِط في الطُّول، ولهم من الشَّعر ما يواريهم من الحَرِّ والبَرْد. وقال الضحاك: هم جيل من التُّرك. وقال السدي: التُرك سريّة من يأجوج ومأجوج خرجت تُغِير، فجاء ذو القرنين فضرب السَّد، فبقيت خارجه. وروى شقيق عن حذيفة، قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج، فقال: «يأجوج أُمَّة، ومأجوج أُمَّة، كل أُمَّة أربعمائة [ألف] أُمَّة، لا يموت الرجُل منهم حتى ينظر إِلى ألف ذَكَر بين يديه من صُلْبه كُلٌّ قد حمل السلاح؛ قلت: يا رسول الله، صِفْهُم لنا، قال: «هم ثلاثة أصناف، صنف منهم أمثال الأرز»؛ قلت: يا رسول الله: وما الأرز؟ قال: «شجر بالشام، طول الشجرة عشرون ومائة ذراع في السماء؛ وصنف منهم عرضه وطوله سواء، عشرون ومائة ذراع، وهؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد، وصنف منهم يفترش أحدهم أذنه، ويلتحف بالأخرى ولا يمرُّون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إِلا أكلوه، ومن مات منهم أكلوه، مقدِّمتهم بالشام، وساقّهم بخراسان، يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية» ".


قوله تعالى: { مُفْسِدون في الأرض } في هذا الفساد أربعة أقوال.

أحدها: أنهم كانوا يفعلون فِعْل قوم لوط، قاله وهب بن منبِّه.

والثاني: أنهم كانوا يأكلون الناس، قاله سعيد بن عبد العزيز.

والثالث: يُخرِجون إِلى الأرض الذين شَكَوْا منهم أيام الربيع، فلا يَدَعون شيئاً أخضر إِلا أكلوه، ولا يابساً إِلا احتملوه إِلى أرضهم، قاله ابن السائب.

والرابع: كانوا يقتلون الناس، قاله مقاتل.

قوله تعالى: { فهل نَجْعَلُ لكَ خَرْجاً } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم: «خَرجاً» بغير ألف. وقرأ حمزة، والكسائي: «خراجاً» بألف. وهل بينهما فرق؟ فيه قولان.

أحدهما: أنهما لغتان بمعنى واحد، قاله أبو عبيدة، والليث.

والثاني: أن الخَرْجَ: ما تبرعت به، والخراج: ما لزمك أداؤه، قاله أبو عمرو بن العلاء. قال المفسرون: المعنى: هل نُخرج إِليك من أموالنا شيئاً كالجُعل لك؟

قوله تعالى: { ما مكَّنّي } وقرأ ابن كثير: «مكَّنَني» بنونين، وكذلك هي في مصاحف مكة. قال الزجاج: من قرأ: «مكَّنِّي» بالتشديد، أدغم النون في النون لاجتماع النونين. ومن قرأ: «مكَّنني» أظهر النونين، لأنهما من كلمتين، الأولى من الفعل، والثانية تدخل مع الاسم المضمر.

وفي الذي أراد بتمكينه منه قولان.

أحدهما: أنه العِلْم بالله؛ وطلب ثوابه.

والثاني: ما ملك من الدنيا. والمعنى: الذي أعطاني الله خير مما تبذلون لي.

قوله تعالى: { فأعينوني بِقُوَّة } فيها قولان.

أحدهما: أنها الرجال، قاله مجاهد، ومقاتل.

والثاني: الآلة، قاله ابن السائب. فأما الرَّدْم، فهو: الحاجز؛ قال الزجاج: والرَّدْم في اللغة أكبر من السدِّ، لأن الرَّدْم: ما جُعل بعضه على بعض، يقال: ثوب مُرَدَّم: إِذا كان قد رقِّع رقعة فوق رقعة.

قوله تعالى: { آتوني زُبَرَ الحديد } قرأ الجمهور: «ردماً آتوني» أي: أعطوني. وروى أبو بكر عن عاصم: «ردمٍ ايتوني» بكسر التنوين، أي: جيئوني بها. قال ابن عباس: احملوها إِليَّ. وقال مقاتل: أعطوني. وقال الفراء: المعنى: إِيتوني بها، فلما ألقيت الياء زيدت ألف. فأما الزُّبُر، فهي: القِطَع، واحدتها: زُبْرَة؛ والمعنى: فأَتَوه بها فبناه، { حتى إِذا ساوى } وروى أبان «إِذا سوَّى» بتشديد الواو من غير ألف. قال الفراء: ساوى وسوَّى سواء. واختلف القراء في { الصَّدَفَين } فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: «الصُّدُفَين» بضم الصاد والدال، وهي: لغة حِمْيَر. وروى أبو بكر والمفضل عن عاصم: «الصُّدْفين» بضم الصاد وتسكين الدال.

وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف، بفتح الصاد والدال جميعاً، وهي لغة تميم، واختارها ثعلب. وقرأ أبو مجلز، وأبو رجاء، وابن يعمر: «الصَّدُفين» بفتح الصاد ورفع الدال. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو عمران، والزهري، والجحدري برفع الصاد وفتح الدال. قال ابن الأنباري: ويقال: صُدَف، على مثال نُغَر، وكل هذه لغات في الكلمة. قال أبو عبيدة: الصَّدَفان: جَنْبا الجبل. قال الأزهري: يقال لجانبي الجبل: صَدَفان، إِذا تحاذيا، لتصادفهما، أي: لتلاقيهما. قال المفسرون: حشا ما بين الجبلين بالحديد، ونسج بين طبقات الحديد الحطب والفحم، ووضع عليها المنافيخ، ثم { قال انفخوا } فنفخوا { حتى إِذا جعله } يعني: الحديد، وقيل: الهاء ترجع إِلى ما بين الصدفين { ناراً } أي: كالنار، لأن الحديد إِذا أحمي بالفحم والمنافيخ صار كالنار، { قال آتوني } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: «آتوني» ممدودة؛ والمعنى: أعطوني. وقرأ حمزة، وأبو بكر عن عاصم: «إِيتوني» مقصورة؛ والمعنى: جيئوني به أُفرغه عليه.

وفي القِطْر أربعة أقوال.

أحدها: أنه النحاس، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والفراء، والزجاج.

والثاني: أنه الحديد الذائب، قاله أبو عبيدة.

والثالث: الصُّفْر المُذاب، قاله مقاتل.

والرابع: الرصاص، حكاه ابن الأنباري. قال المفسرون: أذاب القِطْر ثم صبَّه عليه، فاختلط والتصق بعضه ببعض حتى صار جبلاً صلداً من حديد وقِطْر. قال قتادة: فهو كالبرد المحبر، طريقة سوداء وطريقة حمراء.

قوله تعالى: { فما اسطاعوا } أصله: فما «استطاعوا» فلما كانت التاء والطاء من مخرج واحد أحبُّوا التخفيف فحذفوا. قال ابن الأنباري: إِنما تقول العرب: اسطاع، تخفيفاً، كما قالوا: سوف يقوم، وسيقوم، فأسقطوا الفاء.

قوله تعالى: { أن يَظْهَروه } أي: يعلوه؛ يقال: ظهر فلان فوق البيت: إِذا علاه، والمعنى: ما قدروا أن يعلوه لارتفاعه وامِّلاسه { وما استطاعوا له نقباً } من أسفله، لشدته وصلابته. وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إِن يأجوج ومأجوج ليَحفرون السدَّ كل يوم، حتى إِذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا، فستحفرونه غداً، فيعودون إِليه، فيرونه كأشد ما كان، حتى إِذا بلغت مدتهم، وأراد الله عز وجل أن يبعثهم على الناس، حفروا، حتى إِذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا، فستحفرونه غداً إِن شاء الله، ويستثني، فيعودون إِليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس " وذكر باقي الحديث؛ وقد ذكرت هذا الحديث بطوله وأشباهه في كتاب «الحدائق» فكرهت التطويل هاهنا.

قوله تعالى: { قال هذا رحمة من ربِّي } لمّا فرغ ذو القرنين من بنيانه قال هذا. وفيما أشار إِليه قولان.

أحدهما: أنه الرَّدم، قاله مقاتل؛ قال: فالمعنى: هذا نِعْمة من ربِّي على المسلمين لئلا يخرجوا إِليهم.

والثاني: أنه التمكين الذي أدرك به عمل السد، قاله الزجاج.

قوله تعالى: { فإذا جاء وعد ربِّي } فيه قولان.

أحدهما: القيامة. والثاني: وعده لخروج يأجوج ومأجوج.

قوله تعالى: { جعله دكّاً } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: «دكّاً» منوناً غير مهموز ولا ممدود. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: «دكّاء» ممدودة مهموزة بلا تنوين. وقد شرحنا معنى الكلمة في [الأعراف: 143].

قوله تعالى: { وكان وعد ربي حقاً } أي: بالثواب والعقاب