تفسير القران للفيروز ابادي ( متوفي سنة 817 )
وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ
قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } * { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي
ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } * { فَأَتْبَعَ سَبَباً } * {
حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ
وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ
وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } * { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ
نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } * {
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ
لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا
بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل
لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } * { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ
خُبْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ
السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً
} * { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي
ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا
وَبَيْنَهُمْ سَدّاً }
{ وَيَسْأَلُونَكَ } يا محمد أهل مكة { عَن ذِي
ٱلْقَرْنَيْنِ } عن خبر ذي القرنين { قُلْ } يا محمد لهم { سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم
} سأقرأ عليكم { مِّنْهُ } من خبره { ذِكْراً } بياناً { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ }
مكناه { فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ } أعطيناه { مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } معرفة
الطريق والمنازل { فَأَتْبَعَ سَبَباً } فأخذ طريقاً { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ
مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ } حيث تغرب { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } حارة
ويقال طينة سوداء منتنة إن قرأت بغير الألف { وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً } كفاراً
{ قُلْنَا يَٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ } ألهمناه { إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ } تقتل حتى
يقولوا لا إله إلا الله { وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } معروفاً تعفو
عنهم وتتركهم { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ } كفر بالله { فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ } في
الدنيا بالقتل { ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ } في الآخرة { فَيُعَذِّبُهُ }
بالنار { عَذَاباً نُّكْراً } شديداً { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ } بالله { وَعَمِلَ
صَالِحاً } خالصاً { فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ } الجنة في الآخرة { وَسَنَقُولُ
لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } معروفاً { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } أخذ طريقاً نحو
المشرق { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ
قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا } بينهم وبين الشمس { سِتْراً } جبلاً
ولا شجراً ولا ثوباً قوم عماة عراة عن الحق يقال لهم تارج وتاويل ومنسك {
كَذَٰلِكَ } كما بلغ إلى المغرب بلغ إلى المشرق { وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ
خُبْراً } قد علمنا بما كان عنده من الخبر والبيان { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } أخذ
طريقاً إلى المشرق نحو الروم { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } بين
الجبلين { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا } من دون الجبلين { قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ
يَفْقَهُونَ قَوْلاً } قول غيرهم { قَالُواْ } للترجمان { يَٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ
إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ } يفسدون أرضنا يأكلون
رطبنا ويحملون يابسنا ويقتلون أولادنا ويقال يفسدون في الأرض أي يأكلون الناس
ويأجوج كان رجلاً ومأجوج كان رجلاً وكانا من بني يافث ويقال سمي يأجوج ومأجوج
لكثرتهم { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } جعلاً ويقال أجراً إن قرأت بغير الألف {
عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } حاجزاً.
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ
فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } * { آتُونِي
زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ
حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * {
فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ
هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ
وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } * { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ
فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } * { وَعَرَضْنَا
جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } * { ٱلَّذِينَ كَانَتْ
أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } *
{ أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيۤ
أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً } * { قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } * { ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي
ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } * {
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } * { ذَلِكَ
جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً
}
{ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ } ما ملكني عليه { رَبِّي }
وأعطاني { خَيْرٌ } مما تعرضون علي من الجعل { فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ } قالوا أي
القوة تريد منا قال آلة الحدادين { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً }
سداً { آتُونِي } أعطوني { زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ } فلق الحديد { حَتَّىٰ إِذَا
سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ } طرفي الجبل { قَالَ } لهم { ٱنفُخُواْ } فنفخوا
فيه النار { حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً } يقول صار الحديد كنار فذهب بعضه في
بعض { قَالَ آتُونِيۤ } أعطوني { أُفْرِغْ عَلَيْهِ } أصب على الحائط { قِطْراً }
صفراً { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ } فلم يقدروا أن { يَظْهَرُوهُ } من أعلاه { وَمَا
ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } من أسفله { قَالَ هَـٰذَا } الحائط { رَحْمَةٌ }
نعمة { مِّن رَّبِّي } عليكم { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي } بخروج يأجوج ومأجوج
{ جَعَلَهُ دَكَّآءَ } كسراً { وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي } بخروجهم { حَقّاً } صدقاً
كائناً { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ } يوم الخروج ويقال يوم الرجوع من
الروم حيث لم يقدروا على الخروج منه { يَمُوجُ } يجول { فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ
فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } جميعاً { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ } كشفنا جهنم {
يَوْمَئِذٍ } يوم القيامة { لِّلْكَافِرِينَ } قبل دخولهم { عَرْضاً } كشفاً {
ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ } في عمى { عَن ذِكْرِي } عن توحيدي
وكتابي { وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } الاستماع إلى قراءة القرآن من
بغض محمد صلى الله عليه وسلم { أَفَحَسِبَ } أفظن { ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } بمحمد
عليه الصلاة والسلام والقرآن { أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي } أن يعبدوا عبادي { مِن
دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ } أرباباً بأن ينفعوهم في الدنيا والآخرة ويقال أفحسب أفيكفي
إن قرأت بضم الياء وجزم السين الذين كفروا أن يتخذوا عبادي أن يعبدوا عبادي من
دوني من دون طاعتي أولياء أرباباً { إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ
نُزُلاً } منزلا { قُلْ } يا محمد { هَلْ نُنَبِّئُكُم } نخبركم { بِٱلأَخْسَرِينَ
أَعْمَالاً } في الآخرة { ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ } بطل عملهم { فِي
ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } وهم الخوارج ويقال أصحاب الصوامع { وَهُمْ يَحْسَبُونَ }
يظنون { أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } يعملون عملاً صالحاً { أُوْلَـٰئِكَ
ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } بمحمد عليه الصلاة والسلام والقرآن {
وَلِقَائِهِ } البعث بعد الموت { فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } حسناتهم { فَلاَ
نُقِيمُ لَهُمْ } لأعمالهم { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } ميزاناً ويقال لا يوزن
يوم القيامة من أعمالهم قدر ذرة { ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ }
بمحمد عليه الصلاة والسلام والقرآن { وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي } كتابي { وَرُسُلِي
} محمداً عليه الصلاة و السلام وغيره { هُزُواً } سخرية واستهزاء.
من هو ذو القرنين
ردحذفمن هو الرجل ذو القرنين ؟
حذف