الأربعاء، 4 أبريل 2012

ذو القرنين في تفسير بن كثير

(بن كثير متوفي سنة 774 )


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)}.
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَيَسْأَلُونَكَ} يا محمد {عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} أي: عن خبره. وقد قدمنا أنه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح، فنزلت سورة الكهف.
وقد أورد ابن جرير هاهنا، والأموي في مغازيه، حديثا أسنده وهو ضعيف، عن عقبة بن عامر، أن نفرًا من اليهود جاؤوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، فأخبرهم بما جاؤوا له ابتداء، فكان فيما أخبرهم به: «أنه كان شابا من الروم، وأنه بنى الإسكندرية، وأنه علا به ملك في السماء، وذهب به إلى السد، ورأى أقوامًا وجوههم مثل وجوه الكلاب». وفيه طول ونكارة، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل. والعجب أن أبا زُرْعَة الرازي، مع جلالة قدره، ساقه بتمامه في كتابه دلائل النبوة، وذلك غريب منه، وفيه من النكارة أنه من الروم، وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني ابن فيليبس المقدوني، الذي تؤرخ به الروم، فأما الأول فقد ذكره الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل، عليه السلام، أول ما بناه وآمن به واتبعه، وكان معه الخضر، عليه السلام، وأما الثاني فهو، إسكندر بن فيليبس المقدوني اليوناني، وكان وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف المشهور، والله أعلم. وهو الذي تؤرخ به من مملكته ملة الروم. وقد كان قبل المسيح، عليه السلام، بنحو من ثلثمائة سنة، فأما الأول المذكور في القرآن فكان في زمن الخليل، كما ذكره الأزرقي وغيره، وأنه طاف مع الخليل بالبيت العتيق لما بناه إبراهيم، عليه السلام، وقرب إلى الله قربانًا، وقد ذكرنا طرفًا من أخباره في كتاب البداية والنهاية، بما فيه كفاية ولله الحمد.
وقال وهب بن منبه: كان ملكًا، وإنما سمي ذا القرنين لأن؛ صفحتي رأسه كانتا من نحاس، قال: وقال بعض أهل الكتاب: لأنه ملك الروم وفارس.
وقال بعضهم: كان في رأسه شبه القرنين، وقال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل قال: سئل علي، رضي الله عنه، عن ذي القرنين، فقال: كان عبدًا ناصحَ الله فناصَحَه، دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات، فأحياه الله، فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات، فسمي ذا القرنين.
وكذا رواه شعبة، عن القاسم بن أبي بَزَّة عن أبي الطفيل، سمع عليًا يقول ذلك.
ويقال: إنه إنما سمي ذا القرنين؛ لأنه بلغ المشارق والمغارب، من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب.
وقوله {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ} أي: أعطيناه ملكًا عظيمًا متمكنًا، فيه له من جميع ما يؤتى الملوك، من التمكين والجنود، وآلات الحرب والحصارات؛ ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض، ودانت له البلاد، وخضعت له ملوك العباد، وخدمته الأمم، من العرب والعجم؛ ولهذا ذكر بعضهم أنه إنما سمي ذا القرنين؛ لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها.
وقوله: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}: قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والسدي، وقتادة، والضحاك، وغيرهم: يعني علمًا.
وقال قتادة أيضًا في قوله: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} قال: منازل الأرض وأعلامها.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} قال: تعليم الألسنة، كان لا يغزو قومًا إلا كلمهم بلسانهم.
وقال ابن لَهيعة: حدثني سالم بن غَيْلان، عن سعيد بن أبي هلال؛ أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب الأحبار: أنت تقول: إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا؟ فقال له كعب: إن كنت قلت ذلك، فإن الله تعالى قال: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}.
وهذا الذي أنكره معاوية، رضي الله عنه، على كعب الأحبار هو الصواب، والحق مع معاوية في الإنكار؛ فإن معاوية كان يقول عن كعب: إن كنا لنبلو عليه الكذب يعني: فيما ينقله، لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحيفته، ولكن الشأن في صحيفته، أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق ولا حاجة لنا مع خبر الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شيء منها بالكلية، فإنه دخل منها على الناس شر كثير وفساد عريض. وتأويل كعب قول الله: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} واستشهاده في ذلك على ما يجده في صحيفته من أنه كان يربط خيله بالثريا غير صحيح ولا مطابق؛ فإنه لا سبيل للبشر إلى شيء من ذلك، ولا إلى الترقي في أسباب السموات. وقد قال الله في حق بلقيس: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] أي: مما يؤتى مثلها من الملوك، وهكذا ذو القرنين يسر الله له الأسباب، أي: الطرق والوسائل إلى فتح الأقاليم والرَّسَاتيق والبلاد والأراضي وكسر الأعداء، وكبت ملوك الأرض، وإذلال أهل الشرك. قد أوتي من كل شيء مما يحتاج إليه مثله سببًا، والله أعلم.
وفي المختارة للحافظ الضياء المقدسي، من طريق قتيبة، عن أبي عوانة عن سماك بن حرب، عن حبيب بن حماز قال: كنت عند علي، رضي الله عنه، وسأله رجل عن ذي القرنين: كيف بلغ المشارق والمغارب؟ فقال سبحان الله سخر له السحاب، وقَدَّر له الأسباب، وبسط له اليد.

{ فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)}.
قال ابن عباس: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} يعني: بالسبب المنزل.
وقال مجاهد: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا}: منزلا وطريقًا ما بين المشرق والمغرب.
وفي رواية عن مجاهد: {سَبَبًا} قال: طريقا في الأرض.
وقال قتادة: أي أتبع منازل الأرض ومعالمها.
وقال الضحاك: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} أي: المنازل.
وقال سعيد بن جبير في قوله: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} قال: علمًا.
وهكذا قال عكرمة وعبيد بن يعلى، والسدي.
وقال مطر: معالم وآثار كانت قبل ذلك.
وقوله: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ} أي: فسلك طريقًا حتى وصل إلى أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب، وهو مغرب الأرض. وأما الوصول إلى مغرب الشمس من السماء فمتعذر، وما يذكره أصحاب القصص والأخبار من أنه سار في الأرض مدّة والشمس تغرب من ورائه فشيء لا حقيقة له. وأكثر ذلك من خرافات أهل الكتاب، واختلاق زنادقتهم وكذبهم.
وقوله: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} أي: رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله، يراها كأنها تغرب فيه، وهي لا تفارق الفلك الرابع الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه.
والحمئة مشتقة على إحدى القراءتين من الحمأة وهو الطين، كما قال تعالى: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 28] أي: طين أملس. وقد تقدم بيانه.
وقال ابن جرير: حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب حدثنى نافع بن أبي نعيم، سمعت عبد الرحمن الأعرج يقول: كان ابن عباس يقول {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} ثم فسرها: ذات حمأة. قال نافع: وسئل عنها كعب الأحبار فقال: أنتم أعلم بالقرآن مني، ولكني أجدها في الكتاب تغيب في طينة سوداء.
وكذا روى غير واحد عن ابن عباس، وبه قال مجاهد وغير واحد.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا محمد بن دينار، عن سعد بن أوس، عن مِصْدَع، عن ابن عباس، عن أبيّ بن كعب؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه {حَمِئَةٍ}
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {وجدها تغرب في عين حامية} يعني: حارة.
وكذا قال الحسن البصري.
وقال ابن جرير: والصواب أنهما قراءتان مشهورتان وأيهما قرأ القارئ فهو مصيب.
قلت: ولا منافاة بين معنييهما، إذ قد تكون حارة لمجاورتها وَهْج الشمس عند غروبها، وملاقاتها الشعاع بلا حائل و{حَمِئَةٍ} في ماء وطين أسود، كما قال كعب الأحبار وغيره.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا العوام، حدثني مولى لعبد الله بن عمرو، عن عبد الله قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشمس حين غابت، فقال: «في نار الله الحامية في نار الله الحامية، لولا ما يزعها من أمر الله، لأحرقت ما على الأرض».
قلت: ورواه الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون. وفي صحة رفع هذا الحديث نظر، ولعله من كلام عبد الله بن عمرو، من زاملتيه اللتين وجدهما يوم اليرموك، والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا حجاج بن حمزة، حدثنا محمد- يعني ابن بشر- حدثنا عمرو بن ميمون، أنبأنا ابن حاضر، أن ابن عباس ذكر له أن معاوية بن أبي سفيان قرأ الآية التي في سورة الكهف {تغرب في عين حامية} قال ابن عباس لمعاوية ما نقرؤها إلا {حَمِئَةٍ} فسأل معاوية عبد الله بن عمرو كيف تقرؤها: فقال عبد الله: كما قرأتها. قال ابن عباس: فقلت لمعاوية: في بيتي نزل القرآن؟ فأرسل إلى كعب فقال له: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال له كعب: سل أهل العربية، فإنهم أعلم بها، وأما أنا فإني أجد الشمس تغرب في التوراة في ماء وطين. وأشار بيده إلى المغرب. قال ابن حاضر: لو أني عندكما أفدتك بكلام تزداد فيه بصيرة في حمئة. قال ابن عباس: وإذًا ما هو؟ قلت: فيما يؤثر من قول تُبَّع، فيما ذكر به ذا القرنين في تخلقه بالعلم واتباعه إياه:
بَلَغَ المشَارقَ والمغَارِبَ يَبْتَغِي *** أسْبَابَ أمْرٍ مِنْ حَكِيمٍ مُرْشِد
فَرَأى مَغِيبَ الشَّمْسِ عِنْدَ غُرُوبها *** فِي عَيْنِ ذِي خُلب وَثأط حَرْمَدِ
قال ابن عباس: ما الخُلَب؟ قلت: الطين بكلامهم. يعنى بكلام حمير. قال: ما الثاط؟
قلت: الحمأة. قال: فما الحرْمَد؟ قلت: الأسود. قال: فدعا ابن عباس رجلا أو غلامًا فقال: اكتب ما يقول هذا الرجل.
وقال سعيد بن جبير: بينا ابن عباس يقرأ سورة الكهف فقرأ: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} فقال كعب: والذي نفس كعب بيده ما سمعت أحدًا يقرؤها كما أنزلت في التوراة غير ابن عباس، فإنا نجدها في التوراة: تغرب في مدرة سوداء.
وقال أبو يعلى الموصلي: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا هشام بن يوسف قال: في تفسير ابن جريج {وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا} قال: مدينة لها اثنا عشر ألف باب، لولا أصوات أهلها لسمع الناس وُجُوب الشمس حين تجب.
وقوله: {وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا} أي: أمة من الأمم، ذكروا أنها كانت أمة عظيمة من بني آدم.
وقوله: { قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا } معنى هذا: أن الله تعالى مكنه منهم وحكمه فيهم، وأظفره بهم وخيره: إن شاء قتل وسبى، وإن شاء منّ أو فدى. فعرف عدله وإيمانه فيما أبداه عدله وبيانه في قوله: {أَمَّا مَنْ ظَلَمَ} أي: من استمر على كفره وشركه بربه {فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} قال قتادة: بالقتل: وقال السدي: كان يحمي لهم بقر النحاس ويضعهم فيها حتى يذوبوا.
وقال وهب بن منبه: كان يسلط الظلمة، فتدخل أفوافهم وبيوتهم، وتغشاهم من جميع جهاتهم والله أعلم.
وقوله: {ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} أي: شديدًا بليغًا وجيعًا أليمًا. وفيه إثبات المعاد والجزاء.
وقوله: {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ} أي: تابعنا على ما ندعوه إليه من عبادة الله وحده لا شريك له {فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} أي: في الدار الآخرة عند الله، عز وجل، {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} قال مجاهد: معروفًا.

{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)}.
يقول: ثم سلك طريقًا فسار من مغرب الشمس إلى مطلعها، وكان كلما مرّ بأمة قهرهم وغلبهم ودعاهم إلى الله عز وجل، فإن أطاعوه وإلا أذلهم وأرغم آنافهم، واستباح أموالهم، وأمتعتهم واستخدم من كل أمة ما يستعين به مع جيوشه على أهل الإقليم المتاخم لهم.
وذكر في أخبار بني إسرائيل أنه عاش ألفا وستمائة سنة يجوب الأرض طولها والعرض حتى بلغ المشارق والمغارب. ولما انتهى إلى مطلع الشمس من الأرض كما قال الله تعالى: {وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ}.
أي: أمة {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} أي: ليس لهم بناء يكنهم، ولا أشجار تظلهم وتسترهم من حر الشمس.
قال سعيد بن جبير: كانوا حُمرًا قصارًا، مساكنهم الغيران، أكثر معيشتهم من السمك.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا سهل بن أبي الصلت، سمعت الحسن وسئل عن قوله تعالى: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} قال: إن أرضهم لا تحمل البناء فإذا طلعت الشمس تغوروا في المياه، فإذا غربت خرجوا يتراعون كما ترعى البهائم. قال الحسن: هذا حديث سمرة.
وقال قتادة: ذكر لنا أنهم بأرض لا تنبت لهم شيئًا، فهم إذا طلعت الشمس دخلوا في أسراب، حتى إذا زالت الشمس خرجوا إلى حروثهم ومعايشهم.
وعن سلمة بن كُهَيْل أنه قال: ليس لهم أكنان، إذا طلعت الشمس طلعت عليهم، فلأحدهم أذنان يفترش إحداهما ويلبس الأخرى.
قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: {وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} قال: هم الزنج.
وقال ابن جريج في قوله: {وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} قال: لم يبنوا فيها بناء قط، ولم يبن عليهم فيها بناء قط، كانوا إذا طلعت الشمس دخلوا أسرابًا لهم حتى تزول الشمس، أو دخلوا البحر، وذلك أن أرضهم ليس فيها جبل، جاءهم جيش مرة فقال لهم أهلها: لا تطلعن عليكم الشمس وأنتم بها. قالوا: لا نبرح حتى تطلع الشمس، ما هذه العظام؟ قالوا: هذه جيفُ جيش طلعت عليهم الشمس هاهنا فماتوا. قال: فذهبوا هاربين في الأرض.
وقوله: {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} قال مجاهد، والسدي: علمًا، أي: نحن مطلعون على جميع أحواله وأحوال جيشه، لا يخفى علينا منها شيء، وإن تفرقت أممهم وتقطعت بهم الأرض، فإنه تعالى: {لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران: 5]



{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)}
يقول تعالى مخبرًا عن ذي القرنين: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} أي: ثم سلك طريقًا من مشارق الأرض. {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} وهما جبلان متناوحان بينهما ثُغْرة يخرج منها يأجوج ومأجوج على بلاد الترك، فيعيثون فيهم فسادًا، ويهلكون الحرث والنسل، ويأجوج ومأجوج من سلالة آدم، عليه السلام، كما ثبت في الصحيحين: «إن الله تعالى يقول: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك. فيقول: ابعث بَعْثَ النار. فيقول: وما بَعْثُ النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة؟ فحينئذ يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، فيقال: إن فيكم أمّتين، ما كانتا في شيء إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج».
وقد حكى النووي، رحمه الله، في شرح مسلم عن بعض الناس: أن يأجوج ومأجوج خلقوا من مني خرج من آدم فاختلط بالتراب، فخلقوا من ذلك فعلى هذا يكونون مخلوقين من آدم، وليسوا من حواء. وهذا قول غريب جدًا، ثم لا دليل عليه لا من عقل ولا من نقل، ولا يجوز الاعتماد هاهنا على ما يحكيه بعض أهل الكتاب، لما عندهم من الأحاديث المفتعلة، والله أعلم.
وفي مسند الإمام أحمد، عن سَمُرَة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وَلَدُ نوح ثلاثة: سام أبو العرب، وحام أبو السودان، ويافث أبو الترك». قال بعض العلماء: هؤلاء من نسل يافث أبي الترك، قال: إنما سموا هؤلاء تركًا؛ لأنهم تركوا من وراء السد من هذه الجهة، وإلا فهم أقرباء أولئك، ولكن كان في أولئك بغي وفساد وجراءة. وقد ذكر ابن جرير هاهنا عن وهب بن منبه أثرًا طويلا عجيبًا في سير ذي القرنين، وبنائه السد، وكيفية ما جرى له، وفيه طول وغرابة ونكارة في أشكالهم وصفاتهم، وطولهم وقصر بعضهم، وآذانهم.
وروى ابن أبي حاتم أحاديث غريبة في ذلك لا تصح أسانيدها، والله أعلم.
وقوله: {وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا} أي: لاستعجام كلامهم وبعدهم عن الناس.
{قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} قال ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس: أجرًا عظيمًا، يعني أنهم أرادوا أن يجمعوا له من بينهم مالا يعطونه إياه، حتى يجعل بينهم وبينهم سدًا. فقال ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} أي: إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه، كما قال سليمان عليه السلام: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النمل: 36] وهكذا قال ذو القرنين: الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه، ولكن ساعدوني {بِقُوَّةٍ} أي: بعملكم وآلات البناء، {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} والزبر: جمع زُبْرَة، وهي القطعة منه، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. وهي كاللبنة، يقال: كل لبنة زنة قنطار بالدمشقي، أو تزيد عليه.
{حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} أي: وضع بعضه على بعض من الأساس حتى إذا حاذى به رءوس الجبلين طولا وعرضًا. واختلفوا في مساحة عرضه وطوله على أقوال. {قَالَ انْفُخُوا} أي: أجج عليه النار حتى صار كله نارًا، {قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، وقتادة، والسُّدي: هو النحاس. وزاد بعضهم: المذاب. ويستشهد بقوله تعالى: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} [سبأ: 12] ولهذا يشبه بالبرد المحبر.
قال ابن جرير: حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا قال: يا رسول الله، قد رأيت سد يأجوج ومأجوج، قال: «انعته لي» قال: كالبرد المحبر، طريقة سوداء. وطريقة حمراء. قال: «قد رأيته». هذا حديث مرسل.
وقد بعث الخليفة الواثق في دولته بعض أمرائه، ووجه معه جيشًا سرية، لينظروا إلى السد ويعاينوه وينعتوه له إذا رجعوا. فتوصلوا من بلاد إلى بلاد، ومن مُلْك إلى مُلْك، حتى وصلوا إليه، ورأوا بناءه من الحديد ومن النحاس، وذكروا أنهم رأوا فيه بابًا عظيمًا، وعليه أقفال عظيمة، ورأوا بقية اللبن والعمل في برج هناك. وأن عنده حرسًا من الملوك المتاخمة له، وأنه منيف عال، شاهق، لا يستطاع ولا ما حوله من الجبال. ثم رجعوا إلى بلادهم، وكانت غيبتهم أكثر من سنتين، وشاهدوا أهوالا وعجائب.
ثم قال الله تعالى:

{ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)}.
يقول تعالى مخبرًا عن يأجوج ومأجوج أنهم ما قدروا على أن يصعدوا فوق هذا السد ولا قدروا على نقبه من أسفله. ولما كان الظهور عليه أسهل من نقبه قابل كلا بما يناسبه فقال: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} وهذا دليل على أنهم لم يقدروا على نقبه، ولا على شيء منه.
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة، حدثنا أبو رافع، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا فيعودون إليه كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا إن شاء الله. ويستثني، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس، فينشفون المياه، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء، فترجع وعليها هيئة الدم، فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء. فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم، فيقتلهم بها». قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، إن دواب الأرض لتسمن، وتشكر شكرًا من لحومهم ودمائهم».
ورواه أحمد أيضًا عن حسن- هو ابن موسى الأشيب- عن سفيان، عن قتادة، به.
وكذا رواه ابن ماجه، عن أزهر بن مروان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة قال: حدث رافع. وأخرجه الترمذي، من حديث أبي عوانة، عن قتادة. ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وهذا إسناده قوي، ولكن في رفعه نكارة؛ لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه، لإحكام بنائه وصلابته وشدته. ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار: أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل، فيقولون: غدًا نفتحه. فيأتون من الغد وقد عاد كما كان، فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل، فيقولون كذلك، ويصبحون وهو كما كان، فيلحسونه ويقولون: غدًا نفتحه. ويلهمون أن يقولوا: إن شاء الله، فيصبحون وهو كما فارقوه، فيفتحونه. وهذا مُتَّجه، ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب. فإنه كثيرًا ما كان يجالسه ويحدثه، فحدث به أبو هريرة، فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع، فرفعه، والله أعلم.
ويؤكد ما قلناه- من أنهم لم يتمكنوا من نقبه ولا نقب شيء منه، ومن نكارة هذا المرفوع- قول الإمام أحمد:
حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن أمها أم حبيبة، عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم- قال سفيان: أربع نسوة- قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه. وهو محمر وجهه، وهو يقول: «لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا». وحَلَّق. قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث».
هذا حديث صحيح، اتفق البخاري ومسلم على إخراجه، من حديث الزهري، ولكن سقط في رواية البخاري ذكر حبيبة، وأثبتها مسلم. وفيه أشياء عزيزة نادرة قليلة الوقوع في صناعة الإسناد، منها رواية الزهري عن عروة، وهما تابعيان ومنها اجتماع أربع نسوة في سنده، كلهن يروي بعضهن عن بعض. ثم كل منهن صحابية، ثم ثنتان ربيبتان وثنتان زوجتان، رضي الله عنهن.
وقد روي نحو هذا عن أبي هريرة أيضًا، فقال البزار: حدثنا محمد بن مرزوق، حدثنا مُؤمَّل بن إسماعيل، حدثنا وهيب، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فُتِح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا» وعقد التسعين. وأخرجه البخاري ومسلم من حديث وهيب، به.
وقوله: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} أي: لما بناه ذو القرنين {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} أي: بالناس حيث جعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج حائلا يمنعهم من العيث في الأرض والفساد. {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} أي: إذا اقترب الوعد الحق {جَعَلَهُ دَكَّاءَ} أي: ساواه بالأرض. تقول العرب: ناقة دكاء: إذا كان ظهرها مستويًا لا سنام لها.
وقال تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143] أي: مساويًا للأرض.
وقال عكرمة في قوله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ} قال: طريقًا كما كان.
{وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} أي: كائنًا لا محالة.
وقوله: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} أي: الناس يومئذ أي: يوم يدك هذا السد ويخرج هؤلاء فيموجون في الناس ويفسدون على الناس أموالهم ويتلفون أشياءهم، وهكذا قال السدي في قوله: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} قال: ذاك حين يخرجون على الناس. وهذا كله قبل يوم القيامة وبعد الدجال، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى عند قوله: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنبياْ: 96، 97] وهكذا قال هاهنا: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} قال ابن زيد في قوله: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} قال: هذا أول يوم القيامة، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} على أثر ذلك {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا}.
وقال آخرون: بل المراد بقوله: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} أي: يوم القيامة يختلط الإنس والجن.
وروى ابن جرير، عن محمد بن حميد، عن يعقوب القمي عن هارون بن عنترة، عن شيخ من بني فزارة في قوله: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} قال: إذا ماج الإنس والجن قال إبليس: أنا أعلم لكم علم هذا الأمر. فيظعن إلى المشرق فيجد الملائكة قد بطنوا الأرض، ثم يظعن إلى المغرب فيجد الملائكة بطنوا الأرض فيقول: «ما من محيص». ثم يظعن يمينًا وشمالا إلى أقصى الأرض فيجد الملائكة بطنوا الأرض فيقول: «ما من محيص» فبينما هو كذلك، إذ عرض له طريق كالشراك، فأخذ عليه هو وذريته، فبينما هم عليه إذ هجموا على النار، فأخرج الله خازنًا من خزان النار، فقال: يا إبليس، ألم تكن لك المنزلة عند ربك؟! ألم تكن في الجنان؟! فيقول: ليس هذا يوم عتاب، لو أن الله فرض عليّ فريضة لعبدته فيها عبادة لم يعبده مثلها أحد من خلقه. فيقول: فإن الله قد فرض عليك فريضة. فيقول: ما هي؟ فيقول: يأمرك أن تدخل النار. فيتلكأ عليه، فيقول به وبذريته بجناحيه فيقذفهم في النار. فتزفر النار زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مُرسل إلا جثا لركبتيه.
وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث يعقوب القمي به. رواه من وجه آخر عن يعقوب، عن هارون عن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} قال: الجن الإنس، يموج بعضهم في بعض.
وقال الطبراني: حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس الأصفهاني، حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا المغيرة بن مسلم، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم، ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفًا فصاعدًا، وإن من ورائهم ثلاث أمم: تاويل، وتايس ومنسك». هذا حديث غريب بل منكر ضعيف.
وروى النسائي من حديث شعبة عن النعمان بن سالم، عن عمرو بن أوس، عن أبيه، عن جده أوس بن أبي أوس مرفوعًا: «إن يأجوج ومأجوج لهم نساء، يجامعون ما شاؤوا، وشجر يلقحون ما شاؤوا، ولا يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفًا فصاعدًا».
وقوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}: والصور كما جاء في الحديث: «قرن ينفخ» فيه والذي ينفخ فيه إسرافيل، عليه السلام، كما قد تقدم في الحديث بطوله، والأحاديث فيه كثيرة.
وفي الحديث عن عطية، عن ابن عباس وأبي سعيد مرفوعًا: «كيف أنعم، وصاحب القَرْن قد التقم القَرْن، وحنى جبهته واستمع متى يؤمر». قالوا: كيف نقول؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا».
وقوله {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} أي: أحضرنا الجميع للحساب {قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة: 49، 50]، {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 47]

هناك تعليق واحد:

  1. شركة صقر البشاير هي شركة شركة تنظيف منازل بمكة تقوم بتقديم افضل الاسعار والعروض في خدمات التنظيف بمكة , ونقوم ايضاً بتنظيف فلل, تنظيف مجالس, تنظيف شقق فنحن شركة نظافة عامة بمكة
    شركة نظافة عامة بمكة
    اتصل بنا على 0500941566
    http://www.elbshayr.com/5/House-clearance

    ردحذف