الجمعة، 13 أبريل 2012

ذو القرنين من تفسير السمرقندي

السمرقندي متوفي سنة 375 صاحب التفسير المسمى ( بحر العلوم ) 


وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } * { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } * { فَأَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً }

ثم قال تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى ٱلْقَرْنَيْنِ } وكان اسمه اسكندر وروي عن وهب بن منبه أنه قيل له لم سمي ذا القرنين فقال اختلف فيه أهل الكتاب فقال بعضهم لأنه ملك الروم وفارس وقال بعضهم لأنه كان في رأسه شبه القرنين وقال بعضهم: لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها فسماه الملك الذي عند قاف ذا القرنين ويقال: رأى في المنام أنه دنى من الشمس وأخذ منها فقص رؤياه على قومه فسموه ذا القرنين وقال الزجاج: سمي ذا القرنين لأنه كان له ظفيرتان وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال ضرب على قرني رأسه وقيل: لأنه بلغ قطر الأرض وقال عكرمة: كان ذو القرنين نبياً ولقمان نبياً والخضر نبياً وروى مجاهد عن عبد الله بن عمرو ابن العاص كان ذو القرنين نبياً وروي عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن ذي القرنين فقال: كان رجلاً صالحاً ولقمان كان رجلاً حكيماً وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن ذي القرنين فقال هو ملك يسبح في الأرض وقال مجاهد: ملك الأرض أربعة اثنان مؤمنان واثنان كافران أما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين وأما الكافران فالنمرود بن كنعان وبختنصر قال تعالى: { قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مّنْهُ ذِكْراً } أي خبراً وعلماً من الله تعالى { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى ٱلأَرْضِ } أي: ملكناه وأعطيناه { وَاتَيْنَـٰهُ مِن كُلّ شَىْء سَبَباً } أي: علماً ويقال أعطيناه علم الوصول إلى كل شيء يحتاج إليه من الحروف وغيرها ويقال علماً بالطريق { فَأَتْبَعَ سَبَباً } أي أخذ طريقاً فسار إلى المغرب { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ } قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر حامئة بالألف وقرأ الباقون حمئة بغير ألف فمن قرأ حامئة يعني جائرة ومن قرأ بغير ألف يعني: من طينة سوداء منتنة وروي أن معاوية قرأ في عين فقال ابن عباس ما نقرؤها إلا حمئة فسأل معاوية عبد الله بن عمرو كيف تقرؤها فقال كما قرأتها قال ابن عباس في بيتي نزل القرآن فبعث معاوية إلى كعب يسأله أين تجد الشمس تغرب في التوراة قال في ماء وطين وقال في مذرة سوداء قال القتبي حمئة ذات حمات والحامية حارة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع فأتبع بتشديد التاء وكذلك ما بعده وقرأ الباقون فاتبع بنصب الألف وجزم التاء بغير تشديد { وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً } أي: عند العين التي تغرب فيها الشمس مؤمنين وكافرين فظهر عليهم { قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ } قال مقاتل: أوصى الله تعالى إليه وقال ابن عباس: ألهمه الله تعالى { إِمَّا أَن تُعَذِّبَ } يعني: أن تقتل من كان كافراً { وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } يعني: تنعم عليهم وتغفر لمن كان مؤمناً وقال بعضهم: كانوا كلهم كفاراً قيل له إما أن تعذب من لم يؤمن وإما أن تتخذ فيهم حسناً لمن آمن.

 قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } * { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } * { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً }

{ قَالَ } ذو القرنين { أَمَّا مَن ظَلَمَ } أي: كفر بالله { فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ } أي: نقتله إن لم يتب { ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبّهِ } في الآخرة { فَيْعَذّبُهُ } في النار { عَذَاباً نُّكْراً } يقول: شديداً { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ } صدق بالله { وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً } فيما بينه وبين الله تعالى { فَلَهُ جَزَاءً ٱلْحُسْنَىٰ } قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص جزاء بنصب الألف والتنوين وقرأ الباقون بضم الألف بغير تنوين. فمن قرأ بالنصب فمعناه أن له الحسنى جزاء صار الجزاء نصباً للحال ومن قرأ بالضم جزاءً للإضافة بغير جزاء إحسان { وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } أي: سنعد له في الدنيا معروفاً عدة ويقال وسنقول له قولاً جميلاً { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } أي: أخذ طريقاً وقال القتبي: السبب أصله الحبل ثم كل شيء توصلت به إلى موضع أو حاجة فهو سبب تقول فلان سببي إليك أي: وصلتي وتسمى الطريق سبباً لأنه يصل إلى الموضع الذي يريده { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مّن دُونِهَا سِتْراً } أي: لم يكن لهم من دون الشمس شيء يظلهم لا شجر ولا جبل ولا ثوب إلا عراة عماة عن الخلق وكانوا في مكان لا تستقر عليه البناء وقال قتادة: يقال: إنهم الزنج وكانوا في مكان لا ينبت فيه نبات وكانوا يدخلون سرباً إذا طلعت الشمس حتى تزول عنهم ويخرجون في معايشهم { كَذٰلِكَ } يعني: هكذا بلغ مطلع الشمس أيضاً كما بلغ مغربها ثم استأنف فقال: { وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } أي: بما عنده علماً وهذا قول مقاتل كذلك أي كما أخبرتك بهذا الخبر كذلك كان علمنا محيطاً به قبل ذلك { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } أي: أخذ طريقاً { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } أي: بين الجبلين قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر السدين بضم السين وكذلك الثاني والذي في سورة يس وروى حفص عن عاصم أنه نصب كله وابن كثير وأبو عمرو نصبا ها هنا ورفعا في يس وحمزة والكسائي رفعا بين السدين ونصبا ما سوى ذلك وقال بعض أهل اللغة: ما كان مسدوداً خلقه فهو سد بالنصب وما كان يعمل الناس فهو سد بالضم وروي عن ابن عباس ومجاهد وقيل: إن المراد ها هنا طرفا الجبل { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا } أي: من قبل الجبلين { قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } أي: كلاماً غير كلامهم ولساناً غير لسانهم قرأ حمزة والكسائي يفقهون بضم الياء وكسر القاف يعني أن كلامهم لا يفهمه أحد غيرهم وقرأ الباقون يفقهون بالنصب يعني أنهم لا يفقهون قول غيرهم.

 قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } * { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } * { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً }

{ قَالُواْ يا ذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِى ٱلأَرْضِ } أي: يخرجون إلى أرضنا ويأكلون رطبنا ويحملون يابسنا ويقتلون أولادنا وكان يأجوج رجلاً ومأجوج رجلاً وكان أخوين من بني يافث بن نوح فكثر نسلهما فنسب إليهما ويقال سمي يأجوج ومأجوج لكثرتهم وازدحامهم لأنهم يموجون بعضهم في بعض { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } قرأ عاصم يأجوج ومأجوج بهمز الألف وقرأ الباقون بغير همز وقرأ حمزة والكسائي خراجاً بالألف وقرأ الباقون خرجاً بغير ألف ويقال الخراج هو الضريبة والخرج هو الجعل ويقال: أحدهما اسم والآخر مصدر { عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا سَدّاً } أي: حاجزاً فـ { قَالَ } ذو القرنين { مَا مَكَّنّى فِيهِ رَبّى خَيْرٌ } قرأ ابن كثير ما مكنني بنونين وهو الأصل في اللغة وقرأ الباقون مكني فأدغم إحدى النونين في الأخرى وأقيم التشديد مقامه أي ما ملكني وأعطاني فيه ربي من القوة والمال خير من جعلكم في الدنيا ويقال ما يعطيني الله تعالى في الأخرى من ثواب خير { فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ } قالوا وما تريد قال آلة العمل وهي آلة الحدادين { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا } قالوا وَمَا هِيَ قال { آتُوني زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ } أي: قطع الحديد أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ سَدّاً قرأ عاصم في إحدى الروايتين إيتوني على معنى جيئوني وقرأ الباقون (آتوني) بمد الألف أي: أعطوني فأتوه بقطع الحديد فبناه { حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامرالصدفين بضم الصاد والدال وقرأ عاصم بضم الصاد وجزم الدال وقرأ الباقون بنصب الصاد والدال وهما ناحيتا الجبل فأخذ قطع الحديد وجعل بينهما حطباً وفحماً ووضع المنافخ وقال انفخوا فنفخوه حتى صار كهيئة النار. ثم أتى بالصفر ويقال بالنحاس فأذابه وأفرغ عليه حتى صار جبلاً من حديد ونحاس فذلك قوله: { حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ } أي: بين الجبلين { قَالَ ٱنفُخُواْ } فنفخوا { حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً } أي صير الحديد ناراً { قَالَ آتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } وهو الصفر المذاب أَصبُبْ عليه قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة (قَالَ ائْتُوني) بجزم الألف والباقون بالمد { فَمَا ٱسْطَـٰعُواْ } أي فما قدروا { أَن يَظْهَرُوهُ } يعني: أن يعلوا فوق السد { وَمَا ٱسْتَطَـٰعُواْ لَهُ نَقْبًا } أي: ما قدروا على نقب السد ويقال ما استطاعوا له نقباً أي: ما تحت السد في الأرض لأنه بناه في الأرض إلى السماء قال الفقيه رضي الله عنه: حدثنا عمرو بن حمد قال: حدثنا أبو بكر الواسطي قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا أبو حفص عن سعيد عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن يأجوج ومأجوج يحفرون الردم في كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذين عليهم ارجعوا فسنحفره غداً فيعيده الله كما كان حتى إذا بلغت مدتهم قال الذين عليهم ارجعوا فسنحفره غداً إن شاء الله تعالى فيعودون إليه فإذا هو كهيأته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فيستقون المياه وتحصن الناس في حصونهم فيبعث الله عليهم نغفاً في أقفيتهم فيهلكهم الله بها "

وروى أبو صالح عن ابن عباس أن يأجوج ومأجوج لا يموت الرجل منهم حتى يلد لصلبه ألف ابن وذكر أن يأجوج ومأجوج كما ذكرنا وهما ابنا يافث بن نوح فإذا انكسر السد وذلك عند اقتراب الساعة يخرجون فيمرون ببحيرة طبرية بأرض الشام وهي مملوءة ماء فيشربها أولهم ثم يمر آخرهم فيقولون لقد كان ها هنا مرة ماء قال: والسد نحو بنات نعش ثم يمرون بالبحر فيأكلون ما في جوفه من سمك وسرطان وسلحفاة ودابة ثم يأكلون ورق الشجر ويأكلون ما في الأرض من شيء ويهرب الناس منهم فيقتلون من قدروا عليه ولا يستطيعون أن يأتوا أربعة مساجد المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس ومسجد طور سيناء ثم لا يرون على الأرض غيرهم ثم يقولون لقد قتلنا أهل الأرض وبقي أهل السماء فيرمون سهامهم نحو السماء فتصيب الطير في جو السماء فترجع سهامهم مختضبة بالدماء فيقولون لقد قتلنا أهل السماء وأهل الأرض ولم يبق غيرنا فيبعث الله تعالى عليهم دوداً يسمى النغف فيدخل في آذانهم فيقتلهم فتنتن الأرض من جيفهم ثم يرسل الله تعالى أربعين يوماً حتى يحمل السيل جيفهم فيرميها إلى البحر ويعود البحر كما كان قرأ حمزة فما اسطَّاعوا بتشديد الطاء والباقون بالتخفيف فلما فرغ ذو القرنين من بناء السد.

{ قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } * { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } * { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } * { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } * { أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً }

{ قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مّن رَّبّى } أي: هذا السد رحمة من ربي عليكم { فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبّى } يقول إذا جاء أجل ربي { جَعَلَهُ دَكَّاً } أي: كسراً قرأ أهل الكوفة دكاء بالمد وقرأ الباقون بالتنوين دكاً إذا لم يكن لها سنام { وَكَانَ وَعْدُ رَبّى حَقّاً } أي: صدقاً وكائناً بخروجهم { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ } أي: يحرك في بعض وراء السد { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ } قال أبو عبيدة: تنفخ الأرواح في الصور وقال عامة المفسرين يعني: ينفخ إسرافيل في الصور وهذا موافق لما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " كيف أنعم وصاحب القرن قد التقمه وحنا جبهته عليه وينتظر متى يؤمر فينفخ فيه " { فَجَمَعْنَـٰهُمْ جَمْعاً } أي: يوم القيامة نجمع يأجوج ومأجوج وجميع الخلق { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ } أي: كشفنا الغطاء عنها قبل دخولهم جهنم { لّلْكَـٰفِرِينَ عَرْضاً } أي كشفاً ويكون المصدر لتأكيد الكلام ثم نعت الكافرين فقال: { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ } أي أعين الكافرين { فِى غِطَاءٍ عَن ذِكْرِى } أي: في عمىً عن التوحيد والقرآن فلم يؤمنوا { وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } أي: استماعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من بغضه وعداوته { أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِى مِن دُونِى أَوْلِيَاء } يعني: أن يعبدوا غيري ومعناه لا يحسبن الكافرون بأن يتخذوا أولياء يعبدون معي شيئاً لأن المشركين كانوا يدعون بعض المؤمنين إلى الشرك وهذا كقوله:
{ إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ }
[الحجر: 42] ويقال: ومعناه: أفيظن الذين كفروا أن يعبدوا عبادي يعني الملائكة وعزيراً والمسيح من دوني أولياء يعني أرباباً ومعناه يظنون أنهم لو اتخذوهم أرباباً تنفعهم عبادتهم ويفوتون من عذابي ثم بين عذابهم فقال: { إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـٰفِرِينَ نُزُلاً } أي: منزلاً روي عن علي بن أبي طالب أنه قرأ: (أَفَحَسْبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ) بجزم السين وضم الباء معناه أيكفيهم مني ومن طاعتي أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء فحسبهم جهنم { إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـٰفِرِينَ نُزُلاً } أي: منزلاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق