الاثنين، 23 أبريل 2012

ذو القرنين من تفسير النسفي


تفسير ( مدارك التنزيل وحقائق التأويل )  للامام النسفي ، المتوفي سنة  710 هجرية 





 (  وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً )


( وَيَسْـئَلُونَكَ } أي اليهود على جهة الإمتحان، أو أبو جهل وأشياعه { عَن ذِى ٱلْقَرْنَيْنِ } هو الإسكندر الذي ملك الدنيا. قيل: ملكها مؤمنان: ذو القرنين وسليمان، وكافران: نمرود وبختنصر وكان بعد نمرود. وقيل: كان عبداً صالحاً ملّكه الله الأرض وأعطاه العلم والحكمة وسخر له النور والظلمة، فإذا سرى يهديه النور من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه. وقيل: نبياً. وقيل: ملكاً من الملائكة. وعن عليّ رضي الله عنه أنه قال: ليس بملك ولا نبي ولكن كان عبداً صالحاً ضرب على قرنه الأيمن في طاعة الله فمات ثم بعثه الله، فضرب على قرنه الأيسر فمات فبعثه الله فسمي ذا القرنين وفيكم مثله أراد نفسه. قيل: كان يدعوهم إلى التوحيد فيقتلونه فيحييه الله تعالى. وقال عليه السلام: " سمي ذا القرنين لأنه طاف قرني الدنيا يعني جانبيها شرقها وغربها. وقيل: كان له قرنان أي ضفيرتان، أو انقرض في وقته قرنان من الناس، أو لأنه ملك الروم وفارس أو الترك والروم، أو كان لتاجه قرنان أو على رأسه ما يشبه القرنين، أو كان كريم الطرفين أبا وأما وكان من الروم { قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مّنْهُ } من ذي القرنين { ذِكْراً }.

{ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى ٱلأَرْضِ } جعلنا له فيها مكانة واعتلاء { وَءَاتَيِنَاه مِن كُلّ شَىْء } أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه { سَبَباً } طريقاً موصلاً إليه { فَأَتْبَعَ سَبَباً } والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة فأراد بلوغ المغرب فأتبع سبباً. يوصله إليه حتى بلغ، وكذلك أراد المشرق فأتبع سبباً، وأراد بلوغ السدين فأتبع سبباً. { فأتبع سبباً } { ثم أتبع } كوفي وشامي الباقون: بوصل الألف وتشديد التاء. عن الأصمعي: أتبع لحق واتبع اقتفى وإن لم يلحق { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ } أي منتهى العمارة نحو المغرب وكذا المطلع قال صلى الله عليه وسلم:" بدء أمره أنه وجد في الكتب أن أحد أولاد سام يشرب من عين الحياة فيخلد فجعل يسير في طلبها والخضر وزيره وابن خالته فظفر فشرب ولم يظفر ذو القرنين { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ } ذات حمأة من حمئت البئر إذا صارت فيها الحمأة. { حامية } شامي وكوفي غير حفص بمعنى حارة. عن أبي ذر: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال: " أتدري يا أبا ذر أين تغرب هذه؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال: " فإنها تغرب في عين حامية. " وكان ابن عباس رضي الله عنهما عند معاوية فقرأ معاوية { حامية } فقال: ابن عباس: حمئة فقال معاوية لعبد الله بن عمرو: كيف تقرؤها؟ فقال: كما يقرأ أمير المؤمنين. ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب؟ قال: في ماء وطين كذلك نجده في التوراة فوافق قول ابن عباس رضي الله عنهما، ولا تنافي فجاز أن تكون العين جامعة للوصفين جميعاً { وَوَجَدَ عِندَهَا } عند تلك العين { قَوْماً } عراة من الثياب لباسهم جلود الصيد وطعامهم ما لفظ البحر وكانوا كفاراً { قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } إن كان نبياً فقد أوحى الله إليه بهذا وإلا فقد أوحي إلى نبي فأمره النبي به، أو كان إلهاماً خير بين أن يعذبهم بالقتل إن أصروا على أمرهم وبين أن يتخذ فيهم حسناً بإكرامهم وتعليم الشرائع إن آمنوا، أو التعذيب القتل وإتخاذ الحسن الأسر لأنه بالنظر إلى القتل إحسان.

 إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } * { فَأَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً

 إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى ٱلأَرْضِ } جعلنا له فيها مكانة واعتلاء { وَءَاتَيِنَاه مِن كُلّ شَىْء } أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه { سَبَباً } طريقاً موصلاً إليه { فَأَتْبَعَ سَبَباً } والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة فأراد بلوغ المغرب فأتبع سبباً. يوصله إليه حتى بلغ، وكذلك أراد المشرق فأتبع سبباً، وأراد بلوغ السدين فأتبع سبباً. { فأتبع سبباً } { ثم أتبع } كوفي وشامي الباقون: بوصل الألف وتشديد التاء. عن الأصمعي: أتبع لحق واتبع اقتفى وإن لم يلحق { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ } أي منتهى العمارة نحو المغرب وكذا المطلع قال صلى الله عليه وسلم: " بدء أمره أنه وجد في الكتب أن أحد أولاد سام يشرب من عين الحياة فيخلد فجعل يسير في طلبها والخضر وزيره وابن خالته فظفر فشرب ولم يظفر ذو القرنين " { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ } ذات حمأة من حمئت البئر إذا صارت فيها الحمأة. { حامية } شامي وكوفي غير حفص بمعنى حارة. عن أبي ذر: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال: " أتدري يا أبا ذر أين تغرب هذه؟ " قلت الله ورسوله أعلم. قال: " فإنها تغرب في عين حامية. " وكان ابن عباس رضي الله عنهما عند معاوية فقرأ معاوية { حامية } فقال: ابن عباس: حمئة فقال معاوية لعبد الله بن عمرو: كيف تقرؤها؟ فقال: كما يقرأ أمير المؤمنين. ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب؟ قال: في ماء وطين كذلك نجده في التوراة فوافق قول ابن عباس رضي الله عنهما، ولا تنافي فجاز أن تكون العين جامعة للوصفين جميعاً { وَوَجَدَ عِندَهَا } عند تلك العين { قَوْماً } عراة من الثياب لباسهم جلود الصيد وطعامهم ما لفظ البحر وكانوا كفاراً { قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } إن كان نبياً فقد أوحى الله إليه بهذا وإلا فقد أوحي إلى نبي فأمره النبي به، أو كان إلهاماً خير بين أن يعذبهم بالقتل إن أصروا على أمرهم وبين أن يتخذ فيهم حسناً بإكرامهم وتعليم الشرائع إن آمنوا، أو التعذيب القتل وإتخاذ الحسن الأسر لأنه بالنظر إلى القتل إحسان.


{ قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } * { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً }

{ قَالَ } ذو القرنين { أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ } بالقتل { ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبّهِ فَيُعَذّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } في القيامة يعني أما من دعوته إلى الإسلام فأبى إلا البقاء على الظلم العظيم وهو الشرك فذاك هو المعذب في الدارين.

{ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً } أي عمل ما يقتضيه الإيمان { فَلَهُ جَزَاء ٱلْحُسْنَىٰ } فله جزاء الفعلة الحسنى التي هي كلمة الشهادة. { جزاءً الحسنى } كوفي غير أبي بكر أي فله الفعلة الحسنى جزاء { وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } أي ذا يسر أي لا نأمره بالصعب الشاق ولكن بالسهل المتيسر من الزكاة والخراج وغير ذلك { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ } هم الزنج { لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مّن دُونِهَا } من دون الشمس { سِتْراً } أي أبنية عن كعب أرضهم لا تمسك الأبنية وبها أسراب فإذا طلعت الشمس دخلوها فإذا ارتفع النهار خرجوا إلى معايشهم، أو الستر اللباس. عن مجاهد: من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض.



{ كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } * { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً }

{ كَذٰلِكَ } أي أمر ذي القرنين كذلك أي كما وصفناه تعظيماً لأمره { وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ } من الجنود والآلات وأسباب الملك { خُبْراً } نصب على المصدر لأن في { أحطنا } معنى خبرنا، أو بلغ مطلع الشمس مثل ذلك أي كما بلغ مغربها، أو تطلع على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم يعني أنهم كفرة مثلهم وحكمهم مثل حكمهم في تعذيبه لمن بقي منهم على الكفر وإحسانه إلى من آمن منهم { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } بين الجبلين وهما جبلان سد ذو القرنين ما بينهما. { السَّدين } و { سًداً } مكي وأبو عمرو وحفص { السُّدين } و { سدا } حمزة وعلي، وبضمهما: غيرهم. قيل: ما كان مسدوداً خلقة فهو مضموم، وما كان من عمل العباد فهو مفتوح. وانتصب { بين } على أنه مفعول به لـ { بلغ } كما انجر بالإضافة في { هذا فراق بيني وبينك } وكما ارتفع في
{ لقد تقطع بينكم }
[الأنعام: 94] لأنه من الظروف التي تستعمل أسماء وظروفاً وهذا المكان في منقطع أرض الترك مما يلي المشرق { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا } من ورائهما { قَوْماً } هم الترك { لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } أي لا يكادون يفهمونه إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها. { يُفقهون } حمزة وعلي أن لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لأن لغتهم غريبة مجهولة.

{ قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ } هما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف، وهمزهما عاصم فقط. وهما من ولد يافث أو يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل والديلم { مُفْسِدُونَ فِى ٱلأَرْضِ } قيل كانوا يأكلون الناس. وقيل: كانوا يخرجوا أيام الربيع فلا يتركون شيئاً أخضر إلا أكلوه، ولا يابساً إلا احتملوه، ولا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح. وقيل: هم على صنفين طوال مفرطو الطول وقصار مفرطو القصر { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } { خراجا } حمزة وعلي أي جعلاً نخرجه من أموالنا ونظيرهما النول والنوال { عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا }.

 قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } * { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً }

{ قال ما مكَّني } بالإدغام وبفكه مكي { فِيهِ رَبّى خَيْرٌ } أي ما جعلني فيه مكيناً من كثرة المال واليسار خير مما تبذلون لي من الخرج فلا حاجة لي إليه { فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ } بفعلة وصناع يحسنون البناء والعمل وبالآلات { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا } جداراً وحاجزاً حصيناً موثقاً والردم أكبر من السد { ءَاتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ } قطع الحديد والزبرة القطعة الكبيرة. قيل: حفر الأساس حتى بلغ الماء وجعل الأساس من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينها الحطب والفحم حتى سد ما بين الجبلين إلى أعلاهما، ثم وضع المنافيخ حتى إذا صارت كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمى، فاختلط والتصق بعضه وصار جلداً وصلدا، وقيل: بعدما بين السدين فإنه فرسخ { حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ } بفتحتين جانبي الجبلين لأنها يتصادفان أي يتقابلان. { الصُّدَفين } مكى وبصرى وشامي. { الصُّدْفين } أبو بكر { قَالَ ٱنفُخُواْ } أي قال ذو القرنين للعملة: انفخوا في الحديد { حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ } أي المنفوخ فيه وهو الحديد { نَارًا } كالنار { قَالَ آتُونِى } أعطوني { أَفْرِغْ } أصب { عَلَيْهِ قِطْراً } نحاساً مذاباً لأنه يقطر وهو منصوب بـ { أفرغ } وتقديره آتوني قطراً أفرغ عليه قطراً فحذف الأول لدلالة الثاني عليه { قال ائتوني } بوصل الألف: حمزة وإذا ابتدأ كسر الألف أي جيئوني.

{ فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } * { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } * { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } * { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً }

{ فَمَا ٱسْطَـٰعُواْ } بحذف التاء للخفة لأن التاء قريبة المخرج من الطاء { أَن يَظْهَرُوهُ } أن يعلوا السد { وَمَا ٱسْتَطَـٰعُواْ لَهُ نَقْبًا } أي لا حيلة لهم فيه من صعود لارتفاعه ولا نقب لصلابته { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مّن رَّبّى } أي هذا السد نعمة من الله ورحمة على عباده، أو هذا الإقدار والتمكين من تسويته { فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبّى } فإذا دنا مجيء يوم القيامة وشارف أن يأتي { جَعَلَهُ } أي السد { دَكَّاء } أي مدكوكا مبسوطاً مسوى بالأرض وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقد اندك. { دكاء } كوفي أي أرضاً مستوية { وَكَانَ وَعْدُ رَبّى حَقّاً } آخر قول ذي القرنين { وَتَرَكْنَا } وجعلنا { بَعْضُهُمْ } بعض الخلق { يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ } يختلط { فِى بَعْضِ } أي يطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى، ويجوز أن يكون الضمير ليأجوج ومأجوج وأنهم يموجون حين يخرجون مما وراء السد مزدحمين في البلاد. ورُوي أنهم يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه، ثم يأكلون الشجر ومن ظفروا به من الناس ولا يقدرون أن يأتوا مكة والمدينة بيت المقدس، ثم يبعث الله نغفا في أقفائهم فيدخل في آذانهم فيموتون { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ } لقيام الساعة { فَجَمَعْنَـٰهُمْ } أي جمع الخلائق للثواب والعقاب { جَمْعاً } تأكيد { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لّلْكَـٰفِرِينَ عَرْضاً } وأظهرناها لهم فرأوها وشاهدوها { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِى غِطَاء عَن ذِكْرِي } عن آياتي التي ينظر إليها أو عن القرآن فأذكره بالتعظيم أو عن القرآن وتأمل معانيه { وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } أي وكانوا صما عنه إلا أنه أبلغ إذ الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء كأنهم أصميت أسماعهم فلا استطاعة بهم للسمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق