الجمعة، 18 مايو 2012

ذو القرنين من تفسير الغرناطي

تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (متوفي سنة 741 هـ)


 وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } * { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً }

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ } السائلون اليهود، أو قريش بإشارة اليهود، وذو القرنين هو الإسكندر الملك، وهو يوناني وقيل رومي وكان رجلاً صالحاً، وقيل كان نبياً، وقيل كان ملكاً بفتح اللام والصحيح أنه ملك بكسر اللام واختلف لم سمي ذو القرنين فقيل: كان له ضفيرتان من شعرهما قرناه، فسمي بذلك وقيل: لأنه بلغ المشرق والمغرب وكأنه حاز قرني الدنيا { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ } التمكين له أنه ملك الدنيا ودانت له الملوك كلهم { وَآتَيْنَٰهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } أي علماً وفهما، يتوصل به إلى معرفة الأشياء والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو غير ذلك { فَأَتْبَعَ سَبَباً } أي طريقاً يوصله { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } قرئ بالهمز على وزن فعلة أي ذات حمأة وقرئ بالياء على وزن فاعله وقد اختلف في ذلك معاوية وابن عباس فقال ابن عباس: حمئة وقال معاوية حامية فبعثا إلى كعب الأحبار ليخبرهما بالأمر فقال: أما العربية فأنتما أعلما بها مني، ولكني أجد في التوارة أنها تغرب في ماء وطين فوافق ذلك قراءة ابن عباس ومعنى{ حَامِيَةٌ } [الغاشية: 4] حارة، ويحتمل أن يكون بمعنى حمية ولكن سهلت همزته ويتفق معنى القراءتين. وقد قيل: يمكن أن يكون فيها حمئة ويكون حارة لحرارة الشمس فتكون جامعة للموضعين، ويجتمع معنى القراءتين { قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ } استدل بهذا من قال إن ذا القرنين نبي لأن هذا القول وحي ويحتمل أن يكون بإلهام فلا يكون فيه دليل على نبوته { إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } كانوا كفاراً فخيره الله بين أن يعذبهم بالقتل، أو يدعوهم إلى الإسلام، فيحسن إليهم وقيل: الحسن هنا هو الأسر، وجعله حسناً بالنظر إلى القتل { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ } اختار أن يدعوهم إلى الإسلام، فمن تمادى على الكفر قتله ومن أسلم أحسن إليه، والظلم هنا الكفر والعذاب القتل وأراد بقوله: عذاباً نكرا عذاب الآخرة { فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ } المراد بالحسنى الجنة أو الأعمال الحسنة { وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } وعدهم بأن ييسر عليهم.

 حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } * { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } * { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } *{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } * { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } * { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } * { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً }

{ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } هؤلاء القوم هم الزنج وهم أهل الهند ومن وراءهم، ومعنى لم نجعل الآية أنهم ليس لهم بنيان إذ لا تحمل أرضهم البناء وإنما يدخلون من حر الشمس في أسراب تحت الأرض وقال ابن عطية: الظاهر أنها عبارة عن قرب الشمس منهم وقيل: الستر اللباس فكانوا على هذا لا يلبسون الثياب { كَذَلِكَ } أي أمر ذي القرنين كذلك، أي كما وصفناه تعظيماً لأمره وقيل: إن كذلك راجع لما قبله أي لم نجعل لهم ستراً، كما جعلنا لكم من المباني والثياب، وقيل: المعنى وجد عندها قوماً كذلك، أي مثل القوم الذين وجدوا عند مغرب الشمس وفعل معهم مثل فعله { بَيْنَ السَّدَّيْنِ } أي الجبلين وهما جبلان في طرف الأرض، وقرئ بالفتح والضم وهما بمعنى واحد، وقيل ما كان من خلقة الله فهو مضموم وما كان من فعل الناس فهو مفتوح { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً } قيل هم الترك { لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } عبارة عن بعد لسانهم عن ألسنة الناس، فهم لا يفقهون القول إلا بالإشارة أو نحوها { يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ } قبيلتان من بني آدم في خلقهم تشويه، منهم مفرط الطول ومفرط القصر { مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ } لفسادهم بالقتل والظلم وسائر وجوه الشرط، وقيل: كانوا يأكلون بني آدم.

{ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } هذا استفهام في ضمنه عرض ورغبة، والخرج الجباية يقال فيه خراج وقد قرئ بهما، فعرضوا عليه أن يجعلوا له أموالاً ليقيم بها السد { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ } أي ما بسط الله لي من الملك خير من خرجكم، فلا حاجة لي به ولكن أعينوني بقوة الأبدان وعمل الأيدي { رَدْماً } أي حاجزاً حصيباً، والردم أعظم من السد.


{ آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً }

{ سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ } أي بين الجبلين { قَالَ ٱنفُخُواْ } يريد نفخ الكير؛ أي أوقدوا النار على الحديد { قِطْراً } أي نحاساً مذاباً وقيل هو الرصاص، وروي أنه حفر الأساس حتى بلغ الماء ثم جعل البنيان من زبر الحديد حتى ملأ به ما بين الجبلين ثم أفرغ عليه النحاس المذاب { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ } أصل اسطاعوا استطاعوا حذفت التاء تخفيفاً، والضمير في يظهروه للسدّ، ومعنى يظهروه يعلوه ويصعدوا على ظهره فالمعنى أن يأجوج ومأجوج لا يقدرون أن يصعدوا على السدّ لارتفاعه ولا ينقبوه لقوته { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّى } القائل ذو القرنين وأشار إلى الردم { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّى } يعني القيامة جعله دكاً أي مبسوطاً مسوى بالأرض.

هناك تعليق واحد: