مقاتل بن سليمان متوفي سنة 150 ه
وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ
قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } * { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ
وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } * { فَأَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ
وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا
ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً
وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ } ، يعني الإسكندر قيصر، ويسمى: الملك القابض، على قاف، وهو جبل محيط بالعالم،
ذو القرنين، وإنما سمي ذو القرنين؛ لأنه أتى قرني الشمس المشرق والمغرب { قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ } يا أهل مكة، { ذِكْراً }
[آية: 83]، يعني علماً.
{ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن
كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً }
[آية: 84]، يعني علم أسباب منازل الأرض وطرقها، { فَأَتْبَعَ سَبَباً } [آية: 85].
{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا
تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ }
،
يعني حارة سوداء، قال ابن عباس:
إذا طلعت الشمس أشد
حراً منها إذا غربت، {
وَوَجَدَ عِندَهَا
قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ }
،
أوحى الله عز وجل إليه، جاءه جبريل، عليه السلام، فخبره: قلنا:
فقال: { إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن
تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً }
[آية: 86]، يقول: وإما أن تعفو عنهم، كل هذا مما أمره الله عز وجل به
وخيره
{ قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ
نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } * {
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ
لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا
بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل
لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } * { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ
خُبْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ
السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً
}
{ قَالَ } ذو القرنين: { أَمَّا مَن ظَلَمَ
فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ } ، يعني نقتله، { ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ
فَيُعَذِّبُهُ } في الآخرة بالنار، { عَذَاباً نُّكْراً } [آية: 87]، يعني فظيعاً.
{ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ } ، يعني صدق بتوحيد
الله عز وجل: { وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ } ، يعني الجنة، {
وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } [آية: 88]، يقول: سنعده معروفاً، فلم
يؤمن منهم غير رجل واحد، { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } [آية: 89]، يعني علم منازل الأرض
وطرقها.
{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ
وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً }
[آية: 90]، يعني من دون الشمس ستراً كانوا يستقرون في الأرض في أسراب من شدة الحر،
وكانوا في مكان لا يستقر عليهم البناء، فإذا زالت الشمس خرجوا إلى معايشهم.
ثم قال: { كَذَلِكَ } ، يعني هكذا بلغ مطلع
الشمس كما بلغ مغربها، ثم استأنف، فقال سبحانه: { وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ
خُبْراً } [آية: 91]، يعني بما عنده علماً، {
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } [آية: 92]، يعني علم منازل الأرض
وطرقها.
{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ
} ، يعني بين الجبلين، { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ
يَفْقَهُونَ قَوْلاً } [آية: 93]، يعني لم يكن أحد يعرف لغتهم.
قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً
عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } * { قَالَ مَا مَكَّنِّي
فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ
رَدْماً } * { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ
ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ
أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا
ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا
جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } * {
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ
فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } * { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ
عَرْضاً }
{ قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ } ، وهما أخوان من ولد يافث بن نوح، { مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ } ،
يعني بالفساد القتل، يعني أرض المسلمين، { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } ، يعني
جعلاً، { عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } [آية: 94]، لا
يصلون إلينا.
{ قَالَ } ذو القرنين: { مَا مَكَّنِّي
فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ } ، يقول: ما أعطاني ربي من الخير خير من جعلكم، يعني
أعطيتكم، { فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ } ، يعني بعدد رجال، مثل قوله عز وجل في سورة
هود:
{ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ
}
[هود: 52]، يعني عدداً إلى عددكم، { أَجْعَلْ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } [آية: 95] لا يصلون إليكم.
{ آتُونِي زُبَرَٱلْحَدِيدِ } ، يعني قطع
الحديد، { حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ } ، يعني حشى بين الجبلين
بالحديد، والصدفين الجبلين، وبينهما واد عظيم، فـ { قَالَ ٱنفُخُواْ } على الحديد،
{ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً }
[آية: 96]، قال: أعطوني الصفر المذاب أصبه عليه ليلحمه فيكون أشد له.
" قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم:
قد رأيت سد يأجوج ومأجوج، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " انعته لى " ،
قال: هو كالبرد المحبر، طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" نعم، قد رأيته " ، يقول الله عز وجل: { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ } ، يعني
فما قدروا، { أَن يَظْهَرُوهُ } على أن يعلوه من فوقه، مثل قوله في الزخرف:
{ مَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ }
[الزخرف: 33]، يعني يرقون، { وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ } ،
يعني وما قدروا، { لَهُ نَقْباً } [آية: 97].
حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا أبي، قال:
حدثنا أبو صالح، عن مقاتل، عن أبي إسحاق، قال: قال علي بن أبي طالب، عليه السلام:
أنهم خلف الردم، لا يموت منهم رجل حتى يولد له ألف ذكر لصلبه، وهم يغدون إليه كل
يوم ويعالجون الردم، فإذا أمسوا يقولون: نرجع فنفتحه غداً، ولا يستثنون، حتى يولد
فيهم رجل مسلم، فإذا غدوا إليه، قال لهم المسلم: قولوا: باسم الله، ويعالجون حتى
يتركوه رقيقاً كقشر البيض، ويروا ضوء الشمس، فإذا أصبحوا غدوا عليه، فيقول لهم
المسلم: نرجع غداً إن شاء الله فنفتحه، فإذا غدوا عليه، قال لهم المسلم: قولوا:
باسم الله، فينقبونه، فيخرجون منه، فيطوفون الأرض، ويشربون ماء الفرات، فيجىء
آخرهم، فيقول: قد كان ها هنا مرة ماء، ويأكلون كل شىء حتى الشجر، ولا يأتون على
شىء من غيرها إلا قاموه.
فلما فرغ ذو القرنين من بناء الردم: { قَالَ
هَـٰذَا } ، يعني هذا الردم، { رَحْمَةٌ } ، يعني نعمة، { مِّن رَّبِّي } ، للمسلمين،
فلا يخرجون إلى أرض المسلمين، { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي } في الردم وقع
الردم، فذلك قوله: { جَعَلَهُ دَكَّآءَ } ، يعني الردم وقع، فيخرجون إلى أرض
المسلمين، { وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } [آية: 98] في وقوع الردم، يعني صدقاً،
فإذا خرجوا هرب ثلث أهل الشام، ويقاتلهم الثلث، ويستسلم لهم الثلث.
ثم أخبر سبحانه فقال: { وَتَرَكْنَا
بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } ، يعني يوم فرغ ذو القرنين من الردم،
{ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } ، يعني من وراء الردم، لا يستطيعون الخروج منه، { وَنُفِخَ
فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } [آية: 99]، يعني بالجمع، لم يغادر منهم
أحد إلى حشره.
{ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ
لِّلْكَافِرِينَ } بالقرآن من أهل مكة، { عَرْضاً } [آية: 100]، يعني بالعرض كشف الغطاء عنهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق