السبت، 7 أبريل 2012

ذو القرنين من تفسير مقاتل بن سليمان


مقاتل بن سليمان متوفي سنة 150 ه



وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } * { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } * { فَأَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً

 وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ } ، يعني الإسكندر قيصر، ويسمى: الملك القابض، على قاف، وهو جبل محيط بالعالم، ذو القرنين، وإنما سمي ذو القرنين؛ لأنه أتى قرني الشمس المشرق والمغرب { قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ } يا أهل مكة، { ذِكْراً } [آية: 83]، يعني علماً.

{ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } [آية: 84]، يعني علم أسباب منازل الأرض وطرقها، { فَأَتْبَعَ سَبَباً } [آية: 85].

{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } ، يعني حارة سوداء، قال ابن عباس: إذا طلعت الشمس أشد حراً منها إذا غربت، { وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ } ، أوحى الله عز وجل إليه، جاءه جبريل، عليه السلام، فخبره: قلنا: فقال: { إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } [آية: 86]، يقول: وإما أن تعفو عنهم، كل هذا مما أمره الله عز وجل به وخيره

{ قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } * { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } * { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً }

{ قَالَ } ذو القرنين: { أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ } ، يعني نقتله، { ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ } في الآخرة بالنار، { عَذَاباً نُّكْراً } [آية: 87]، يعني فظيعاً.

{ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ } ، يعني صدق بتوحيد الله عز وجل: { وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ } ، يعني الجنة، { وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } [آية: 88]، يقول: سنعده معروفاً، فلم يؤمن منهم غير رجل واحد، { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } [آية: 89]، يعني علم منازل الأرض وطرقها.

{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } [آية: 90]، يعني من دون الشمس ستراً كانوا يستقرون في الأرض في أسراب من شدة الحر، وكانوا في مكان لا يستقر عليهم البناء، فإذا زالت الشمس خرجوا إلى معايشهم.

ثم قال: { كَذَلِكَ } ، يعني هكذا بلغ مطلع الشمس كما بلغ مغربها، ثم استأنف، فقال سبحانه: { وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } [آية: 91]، يعني بما عنده علماً، { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } [آية: 92]، يعني علم منازل الأرض وطرقها.

{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } ، يعني بين الجبلين، { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } [آية: 93]، يعني لم يكن أحد يعرف لغتهم.

 قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } * { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } * { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } * { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } * { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً }

{ قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ } ، وهما أخوان من ولد يافث بن نوح، { مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ } ، يعني بالفساد القتل، يعني أرض المسلمين، { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } ، يعني جعلاً، { عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } [آية: 94]، لا يصلون إلينا.

{ قَالَ } ذو القرنين: { مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ } ، يقول: ما أعطاني ربي من الخير خير من جعلكم، يعني أعطيتكم، { فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ } ، يعني بعدد رجال، مثل قوله عز وجل في سورة هود:
{ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ }
[هود: 52]، يعني عدداً إلى عددكم، { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } [آية: 95] لا يصلون إليكم.

{ آتُونِي زُبَرَٱلْحَدِيدِ } ، يعني قطع الحديد، { حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ } ، يعني حشى بين الجبلين بالحديد، والصدفين الجبلين، وبينهما واد عظيم، فـ { قَالَ ٱنفُخُواْ } على الحديد، { حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } [آية: 96]، قال: أعطوني الصفر المذاب أصبه عليه ليلحمه فيكون أشد له.

" قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: قد رأيت سد يأجوج ومأجوج، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " انعته لى " ، قال: هو كالبرد المحبر، طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم، قد رأيته " ، يقول الله عز وجل: { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ } ، يعني فما قدروا، { أَن يَظْهَرُوهُ } على أن يعلوه من فوقه، مثل قوله في الزخرف:
{ مَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ }
[الزخرف: 33]، يعني يرقون، { وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ } ، يعني وما قدروا، { لَهُ نَقْباً } [آية: 97].

حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو صالح، عن مقاتل، عن أبي إسحاق، قال: قال علي بن أبي طالب، عليه السلام: أنهم خلف الردم، لا يموت منهم رجل حتى يولد له ألف ذكر لصلبه، وهم يغدون إليه كل يوم ويعالجون الردم، فإذا أمسوا يقولون: نرجع فنفتحه غداً، ولا يستثنون، حتى يولد فيهم رجل مسلم، فإذا غدوا إليه، قال لهم المسلم: قولوا: باسم الله، ويعالجون حتى يتركوه رقيقاً كقشر البيض، ويروا ضوء الشمس، فإذا أصبحوا غدوا عليه، فيقول لهم المسلم: نرجع غداً إن شاء الله فنفتحه، فإذا غدوا عليه، قال لهم المسلم: قولوا: باسم الله، فينقبونه، فيخرجون منه، فيطوفون الأرض، ويشربون ماء الفرات، فيجىء آخرهم، فيقول: قد كان ها هنا مرة ماء، ويأكلون كل شىء حتى الشجر، ولا يأتون على شىء من غيرها إلا قاموه.

فلما فرغ ذو القرنين من بناء الردم: { قَالَ هَـٰذَا } ، يعني هذا الردم، { رَحْمَةٌ } ، يعني نعمة، { مِّن رَّبِّي } ، للمسلمين، فلا يخرجون إلى أرض المسلمين، { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي } في الردم وقع الردم، فذلك قوله: { جَعَلَهُ دَكَّآءَ } ، يعني الردم وقع، فيخرجون إلى أرض المسلمين، { وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } [آية: 98] في وقوع الردم، يعني صدقاً، فإذا خرجوا هرب ثلث أهل الشام، ويقاتلهم الثلث، ويستسلم لهم الثلث.

ثم أخبر سبحانه فقال: { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } ، يعني يوم فرغ ذو القرنين من الردم، { يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } ، يعني من وراء الردم، لا يستطيعون الخروج منه، { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } [آية: 99]، يعني بالجمع، لم يغادر منهم أحد إلى حشره.

{ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ } بالقرآن من أهل مكة، { عَرْضاً } [آية: 100]، يعني بالعرض كشف الغطاء عنهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق