الجمعة، 18 مايو 2012

ذو القرنين من تفسير الطبراني


تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني متوفي سنة 360 هـ




{ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً }؛ يعني يسألُكَ اليهودُ يا مُحَمَّدُ عن خبرِ ذي القَرنَين { قُلْ سَأَتْلُواْ } سأقرأ عليكم خبرَهُ. قال مجاهدُ: (مَلَكَ الأَرْضَ أرْبَعةً: مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ، فَالْمُؤْمِنَانِ سُلَيْمَانُ وَذُو الْقَرْنَيْنِ، وَالْكَافِرَانِ النَّمْرُودُ وَبَخِتْنَصِّرُ).

واختلفُوا في تسميتهِ بذِي القرنَين، فقال بعضُهم: لأنه مَلَكَ فارسَ والرُّوم، وَقِيْلَ: لأنه دَعَا قومَهُ إلى التوحيدِ، فضربوهُ على قرنهِ الأيسر، وَقِيْلَ: على قَرْنَيْهِ، وَقِيْلَ: لأنه دخلَ النورَ والظلمة، وَقِيْلَ: لأنه بَلَغَ قُطْرَي الأرضِ، وكان اسمهُ اسْكَنْدَرُ.

{ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ }؛ أي مَكَّنَّاهُ في الأرضِ، { وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً }؛ أي من كلِّ شيء تستعينُ به الملوكُ على فتحِ المدائن ومحاربةِ الأعداء، { سَبَباً } أي بلاداً إلى حيث أرادَ، وَقِيْلَ: قَرَّبْنَا له أقطارَ الأرضِ، كما سَخَّرْنَا الريحَ لسليمان. وقال عليٌّ رضي الله عنه: (سَخَرَ اللهُ لِهُ السَّحَابَ فَحَمَلَهُ عَلَيْهَا وَمَدَّ لَهُ فِي الأَسْبَاب، وَبَسَطَ لَهُ النُّورَ، وَكَانَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ) وهذا معنى تَمَكُّنِهِ في الأرضِ، وهو أنه سَهَّلَ عليه المسيرَ فيها، وذلَّلَ له طُرُقَها.

{ فَأَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَأَتْبَعَ سَبَباً }؛ أي طريقاً تؤدِّيه إلى مغرب الشَّمس. قَوْلُهُ تَعَالَى: { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ }؛ أي إلَى قومٍ لَم يكن بينَهم وبين مغرب الشَّمس أحدٌ؛ لأنه لا يُمكنه أن يبلُغَ موضعَ غروب الشَّمس. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ }؛ أي رآها تغربُ في الماءِ، وَقِيْلَ: في عينٍ ذات حَمَأَةٍ وهي الطينُ الأسودُ الْمُنْتَنُ.

وتقرأ (حَامِيَةٍ) أي حارَّةٍ، وهي قراءةُ العبادلةِ الثلاثةِ - عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُاللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ - وابنُ عامرٍ وأهلُ الكوفةِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً }؛ أي عند العينِ، { قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ }؛ قِيْلَ: في هذا دليلٌ أن ذا القرنين كان نبيّاً؛ لأن الانسانَ لا يعلمُ أمرَ الله إلاّ بالوحيِ، ولا يجوزُ الوحيُ إلاّ إلى الأنبياءِ، وَقِيْلَ: كان معه نبيٌّ، فأوحَى اللهُ إلى ذلك النبيِّ، وفي الجملةِ لا يُمكن إثباتُ النبوَّة إلاّ بدليلٍ مقطوع به.

ورويَ " عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه سُئِلَ عن ذي القرنينِ قال: " هُوَ مَلِكٌ يَسِيْحُ فِي الأَرْضِ " " قال ابنُ الأنباريِّ: (إنَّهُ كَانَ نَبيّاً، فَإنَّ اللهَ قَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لِلأنْبيَاءِ، إمَّا بتَكْلِيْمٍ أوْ بوَحْيٍ، وَمَنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ نَبيّاً، قَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ ألْهَمْنَا كقولهِ{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ }[القصص: 7] أي ألْهَمْنَاها.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً }؛ أي قُلنا له إما أن تَقْتُلَهُمْ على الكفرِ إن أبَوا الإسلامَ، وإما أن تأسِرَهم فتعلِّمَهم الهدى وتبصِّرَهم الرشادَ.
 ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً }؛ أي سَلَكَ طريقاً آخرَ نحو المشرقِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً }؛ أي حتى إذا انتهىَ إلى آخرِ العمارة من جهةِ المشرق وجدَ عند الشمسِ قوماً لَم يكن لَهم جبلٌ ولا شجرٌ ولا شيء يسترُهم عن الشمسِ. قال لكلبيُّ: (مَعْنَاهُ حُفَاةً عُرَاةً يَفْتَرِشُ أحَدُهُمْ أُذُنَهُ وَيَلْبَسُ الأُخْرَى).
 ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً }
قَوْلُهُ تَعَالَى: { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ }؛أي ثُم أتبعَ سبباً ثالثاً مما يبلغهُ قُطراً من أقطارِ الأرض، وَقِيْلَ: أتْبَعَ سَبَباً: حتى إذا بلغَ طريقاً من المشرقِ نحو الرُّومِ، وحتى إذا بلغَ بين الجبلين الذين جعلوا الرَّدْمَ بينهما، وهما السدَّانِ.
قرأ ابنُ كثير وأبو عمرٍو: (السَّدَّيْنِ) بفتحِ السِّين، وقرأ الباقون بضمِّها، وهما لُغتان، { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا }؛ الجبلينِ، { قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً }؛ أي لا يكادون يفقهونَ قولَ غيرِهم، ولا يعرفون لُغة غيرهم.

قرأ حمزةُ والكسائيُ وخلف (يُفْقَهُونَ) بضمِّ الياء وكسرِ القاف، ومعناهُ: لا يكادون يفقهونَ أحداً قولاً. قال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (لاَ يَفْقَهُونَ كَلاَمَ أحَدٍ، وَلاَ أحَدٌ يَفْهَمُ كَلاَمَهُمْ).

{ قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ }؛ أي قالوا بإشارةٍ أو ترجُمانٍ؛ لأنه قد تقدَّم أنَّهم لا يفقهونَ قولاً، إن يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وهما قبيلتان من أولادِ يافث بنِ نوحٍ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ؛ أي يفسدونَ أموالَ الناسِ؛ لأنَّهم كانوا أهلَ بغيٍ وظُلْمٍ. قال الكلبيُّ: (كَانُواْ يَخْرُجُونَ إلَى أرْضِ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ شَكَوهُمْ إلَى ذِي الْقَرْنَيْنِ أيَّامَ الرَّبيْعِ فَلاَ يَدَعُونَ فِيْهَا شَيْئاً أخْضَرَ إلاّ أكَلُوهُ، وَلاَ يَابساً إلاَّ احْتَمَلُوهُ).

" وعن عبدِالله قالَ: سَأَلْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، قَالَ: " يَأْجُوجُ أُمَّةٌ وَمَأْجُوجُ أُمَّةٌ، كُلُّ أُمَّةٍ أرْبَعُمِائَةِ ألْفٍ، لاَ يَمُوتُ أحَدُهُمْ حَتَّى يَنْظُرَ إلَى ألْفِ ذكَرِ مِنْ صُلْبهِ كُلُّهُمْ قَدْ حَمَلَ السِّلاَحَ " قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! صِفْهُمْ لَنَا؟ قَالَ: " هُمْ ثَلاَثَةُ أصْنَافٍ: صِنْفٌ مِنْهُمْ طُولُ الرَّجُلِ مِنْهُمْ مِائَةٌ وَعُشْرُونَ ذِرَاعاً، وَصِنْفٌ طُولُهُ وَعِرْضُهُ سَوَاءٌ عُشْرُونَ وَمِائَةُ ذِرَاعٍ أيْضاً، وَهُمُ الَّذِيْنَ لاَ يَقُومُ لَهُمْ جَبَلٌ وَلاَ حَدِيْدٌ، وَصِنْفٌ مِنْهُمْ يَفْتَرِشُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إحْدَى أذُنَيْهِ وَيَلْتَحِفُ بالأُخْرَى لاَ يَمُرُّونَ بفِيْلٍ وَلاَ جَمَلٍ وَلاَ وَحْشٍ وَلاَ خِنْزِيْرٍ إلاَّ أكْلُوهُ، لَهُمْ مَخَالِبُ فِي أيْدِيْهِمْ وَأضْرَاسٌ كَأَضْرَاسِ السِّبَاعِ، وَأنْيَابٌ يُسْمَعُ لَهَا حَرَكَةٌ كَحَرَكَةِ الْجَرَسِ فِي حُلُوقِ الإبلِ، وَلَهُمْ مِنَ الشَّعْرِ فِي أجْسَادِهِمْ مَا يُوَارِيْهِمْ، وَمَا يُتَّقَى مِنْهُ الْحَرُّ وَالْبَرْدُ، يَعْوُونَ عَوِيَّ الذِّئَاب، وَيَتَسَافَدُونَ كَتَسَافُدِ الْبَهَائِمِ إذا الْتَقَوْا " ".

قال وهبُ: (يَشْرَبُونَ مَاءَ الْبَحْرِ وَيَأْكُلُونَ دَوَابَّهَا، وَيَأْكُلُونَ الْخَشَبَ وَالشَّجَرَ، وَمَنْ ظَفَرُواْ بهِ مِنَ النَّاسِ أكَلُوهُ). وقال كعبٌ: (هُمْ زيَادَةٌ فِي وَلِدِ آدَمَ، وَذلِكَ أنَّ آدَمَ احْتَلَمَ ذاتَ يَوْمٍ فَامْتَزَجَتْ نُطْفَتُهُ فِي التُّرَاب، فَخَلَقَ اللهُ مِنْ ذلِكَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، فَهُمْ مُتَّصِلُونَ بنَا مِنْ جِهَةِ الأَب دُونَ الأُمِّ).

وقال ابنُ عبَّاس: (هُمْ عَشْرَةُ أجْزَاءٍ وَوَلَدُ آدَمَ كُلُّهُمْ جُزْءٌ). وَقِيْلَ: إن التُّرْكَ منهم إلاّ أن أولئكَ أشدُّ فساداً من التُّركِ، فتباعدُوا عن الناسِ، كما ينعزلُ اللُّصوصُ. ويأجوجُ ومأجوج اسْمانِ أعجميَّان لا ينصرفان؛ لأنَّهما معرفةٌ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً }؛ أي قالوا هل نجعلُ لك بعضاً من أموالِنا ضربتهُ في كلِّ سنةٍ على أن تجعلَ بيننا وبينهم حاجزاً وسدّاً. والرَّدْمُ هو السدُّ. وردمْتُ البابَ؛ أي سَدَدْتُهُ، والْخَرْجُ والخراجُ واحدٌ.
{ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً }
قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ }؛ أي قال لَهم ذو القَرنين: مَا مَكَّنْي اللهُ مِن الإتساعِ في الدُّنيا خيرٌ من خَراجِكم الذي تبذلونه لِي، يريدُ ما أعطانِي اللهُ وملَّكَني أفضلُ من عطيَّتِكم. قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ }؛ أي الرِّجالِ والآلاتِ، { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً }؛ الرَّدْمُ أشدُّ الحجاب، وهو أكبرُ من السدِّ.
( آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)

قَوْلُهُ تَعَالَى: { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ }؛ والزُّبَرَةُ القطعةُ العظيمة، فأتَوهُ بها فبناهُ، { حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ }؛ أي حتى إذا مَلأَ ما بين الجبلينِ، وسَمَّاهُما صَدَفَيْنِ؛ لأنَّهما يتصادفان، أي يتقابَلان، فلما وضعَ بينهما الحديدَ وجعلَ " بين " كلَّ قطعتَي حديدِ حطباً حتى ملأَ ما بين الجبلين، فأمرَ بالنارِ فأُرسِلت فيه، و { قَالَ }؛ للحدَّادين: { ٱنفُخُواْ }؛ بالمنافيخ، { حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً }؛ أي حتى إذا صارَ الحديدُ كالنارِ، { قَالَ آتُونِيۤ }؛ أي أعطونِي قِطْراً، { أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً }؛ وهو النحاسُ الذائب أصبُّهُ على الحديدِ والحطب فيتقطَّرُ كما يتقطرُ الماء، ففعلَ حتى إذا جعلَ بعضه في بعضٍ، فصارَ الجميعُ شيئاً واحداً جبلاً صَلْداً من حديدٍ ونُحاس. قيل إنه حفر له الأساس حتى بلغ الماء، ثم جعل عرضه خمسين فرسخًا ثم ملأه وشرفه


 فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً }
قولهُ تعالى: { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً }؛ أي ما قدَرُوا أن يَعْلُوهُ لارتفاعهِ ومَلاسَتِهِ، وما قدَرُوا أن ينقِبُوهُ من أصلهِ؛ لشدَّتهِ وصلابتهِ.
وعن أبي هريرةَ: " أنَّّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَحْفُرُونَ كُلَّ يَوْمٍ، ثُمَّ يَقُولُونَ: نَرْجِعُ إلَى غَدٍ وَنِجِيْءُ أيْضاً نَحْفِرُهُ، فَيَأْتُونَهُ غَداً وَقَدْ أعَادَهُ اللهُ كَمَا كَانَ قَبْلَ أنْ يَحْفِرُوهُ "
{ قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً }
قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي }؛ أي قال لَهم ذُو القرنينِ لَمَّا فَرَغَ من بنائهِ، هذا التمكينُ الذي أدركتُ به السدَّ رحمةٌ مِن ربي من حيثُ ألْهَمني وقوَّانِي، ونعمةٌ مِن ربي عليكم، { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ }؛ أي وقتُ اشتراطِ السَّاعة جعلَ السدَّ كَسْراً. ومن قرأ (دَكّاً) فمعناهُ أرْضاً منبسطةً، يقالُ: نَاقَةٌ دَكَّاءٌ إذا لَم يكن لَها سِنَامٌ، { وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً }؛ أي كان تقديرهُ لِخروجهم صِدْقاً كائناً.